ضمن مفرزة صيادي الخبر؛ تابعت الخرجة الإعلامية الأخيرة للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ، والتي بدا فيها أكثر صراحة وجرأة من سابقاتها، رغم أن أعصابه فيها كانت أكثر هدوء من سابقتها.
بدا جليا خلال خرجة عزيز أنه ينتهج أسلوب التصعيد المتدرج، ويدوس البنزين أكثر كلما اقتربت المواسم الانتخابية، أو الجلسات القضائية.
استغربت من موقف الرئيس الجديد من نشطاء حركة "افلام" وكيف ظلت الرئاسة تُغشي بصره طوال فترة حكمه، ولِم لَم ينصف هؤلاء -إن كان يرى أنهم مظلومون- أيام حكمه، ولم لم يتح لهم فرصة في تلك الفترة لمجرد الاستماع، الأمر الذي جعلني أقطع أن الموقف ليس إلا تجسيدا للمثل "طبيب بعد الوفاة".
لم يقنعني حديث الرئيس السابق عن غياب المواطنة، وتأجيج النعارات العرقية والجوية، فبلادنا ظلت "شبه خالية" من تلك النزعات حتى تربع سيادته على الحكم، ومع خروجه من الرئاسة بدأت الأمور تتجه صوب التهدئة.
استطاع ولد عبد العزيز في خرجته، أن يجلس مجلس المعارض الناطح، الضليع بأحوال البلد، وأن يسلط الضوء على الكثير من مكامن الخلل في عهد خلفه، ولعل معارضته لشدة أصوليتها انتهجت منهج حزب "لا" لأن عزيز في خرجته عارض المنظومة القائمة ككل، بمولاتها ومعارضتها، لدرجة أنني حمدت الله حين وجه الناس صوب "طوق النجاة" المتثمل في حزب الرباط، فقد أوصلني فهمي للرجل أن معارضته للمنظومة بلغت حد معارضة الحزب الذي يقف خلفه، ولكن الله سلّم..!
تحدث الرجل عن الاستبداد الجهوي في عهد خلفه، وهي قضية ربما حملت بعض الوجاهة في نظر الكثيرين، لكنها مع ذلك نظرة سرمدية ثابتة تجاه كل الأحكام التي تعاقبت على البلاد منذ "دولة ولد داداه البوتلميتية"؛ فالمنحدرون من ولاية الرئيس ينعمون بفترة من السيطرة على الشأن العام -من وجهة نظر الآخر على الأقل- ؛ سواء كانت تلك السيطرة بفعل وظائف رسمية، أو بفعل التأثير في الرئيس، أو بفعل امتلاك رأس المال والأولوية في الصفقات؛ وليس نظام الرئيس الحالي بدعا في ذلك، ولعله الأحسن حتى الآن، حيث أن حاضنته العائلية مازالت بعيدة عن دوائر النفوذ.
تحدث الرئيس السابق عن ضعف الرئيس وغيابه، وهنا لا يمكنني أن أُخطّئ غزواني، ولا أنقض كلام عزيز، لكن ما السبب في ذلك..؟
الإجابة أن لكل شيخ طريقته في الإدارة، وكان أسلوب عزيز أن يحضر اسمه في كل شاردة وواردة، فأذكر أنه في إحدى المرات تنقل مع موكبه لافتتاح حنفيات في الترحيل..!
إذا هذه طريقة عزيز، أما غزواني فإن طريقته مختلفة، ولعلها أشبه بطريقة بقية الرؤساء الذين تركوا الفرصة لبعض الأسماء ضمن فريقهم للظهور، فقد ظهر ابريكة ولد امبارك مع هيدالة، رغم شمولية حكم الأخير وانفراديته، وظهرت أسماء كثيرة مع معاوية، وغيره من الرؤساء؛ فالقضية إذا هي مجرد خلاف في طريقة الإشراف والحكامة.
اتهام الرجل للأَخوان والإخوان ليس غريبا عليه، فقد أقال الأخوان من وظائفهما، وضايق الإخوان في فترة حكمه، واتهمهم بالتخريب والإرهاب، وطبخ سماحة الشيخ ولد الددو في مرق ذلك..!
لكن اتهام الأخوان بالرشوة، مع اكتفائه خلال فترة حكمه بإقالتهما، لو كُلف به محام مشاكس، لأضاف تهمة أخرى للتهم الموجهة لعزيز، حيث أنه يدخل وفق علمي في التستر على الجريمة؛
أما اتهامه لحزب الإخوان بتلقي أموال من الخارج، مع ثبوت عدم حله طوال فترة حكمه، فأعتقد أنه إدانة له بتعطيل القوانين..!
إن الهجوم الشرس على أعضاء الغرفة التشريعية لهو المفارقة الأهم في الخطاب، حيث أن الرئيس السابق نفسه، هو من شكل هذا البرلمان عضوا عضوا وقاد بنفسه حملاتهم الإنتخابية، في ظل تذمر المعارضة من تسخير أموال الدولة وطائراتها للحملات الانتخابية لحزب الدولة..!
ولعل تلك المفارقة لن يضاهيها في الغرابة سوى النقد اللاذع لتحويلات أعضاء السلطة القضائية، ممن كانت له حكاية شهيرة مع سفيرنا السابق في اليمن السيد ولد الغيلاني..!