جميل أن يبني من يطرح نفسه "بديلا عن المعارضة" نضاله المزعوم، على أسس متينة، وأن يوجد لنفسه كومة نضال معروفة تتعدى حدود بعض الصالونات "التفرغ زينية" وبعض تطبيقات التواصل الجمعي.
وجميل جدا أن يكون لضحايا "فقدان الوظيفة" تاريخ من الرفض وقول "لا" في غير التشهد، يوم كانوا يتقلبون بين الوظائف والاستشارات؛ تشد عضد حجاجهم بعد فقدان المراكز.
والأجمل من كل ذلك، هو أن يقترح المثقف حلولا بديلة حين ينتقد الأوضاع التي تعيشها بلاده، غير طرح نفسه كبديل لمناوئ قائم ومنافس محتمل.
أما ما لايمكن الالتفات إليه، فهو أن تطالعنا جريدة "القدس العربي" اليوم بتقرير يصف فيه "مثقف الوثيقة" أداء الحكومة بالضعف وانتشار الفساد، وتنسى أن نفس الشخص أمسك عن البت بحرف في هذا المضمار، أيام كان مستشارا لوزير العدل.
وتوضيحا منا للقائمين على الصحيفة، فإنه يجب أن نضيف بعض الملاحظات الخفيفة على مانشرته بخصوص بعض الهذيان الذي سطرت على صفحاتها، وذلك في النقاط:
استذكر مثقف "فرية الوثيقة" في هذيانه الجديد، قضية التهديدات الحدودية والإرهاب، متجاهلا أن من يمسكون اليوم بدفة الحكم، هم من كسروا شوكة الإرهاب، وأدخلو جرذانه لجحورهم؛ أيام كان صاحبنا منشغلا في وظيفته الاستشارية، وأنه في نفس الشهر الذي ولغ فيه بهذيانه، استقبلت موريتانيا سباقين دوليين، كإشارة على أن وضعها الأمني أكثر من ممتاز.
اتهم مثقف "فرية الوثيقة" قطاع الداخلية بمنع نشاطه، مع اعترافه أنه لم يجرب وضع إشعار لدى مصالحها، ولعل هذه سمة مسيطرة على تصرفاته التي يبنيها غالبا على أسس انطباعية؛ فلم نسمع منذ رفع الإجراءات الإحترازية ضد كورونا عن منع الدولة لترخيص أي فعالية..!
نفخ "المثقف" في كير ما سماه "الأزمة الاجتماعية" مستشهدا بأقوال استدعاها من خيال خصب في المجال، متجاهلا الإنجازات الكبيرة والخلاقة التي يشهد بعض أفراد أسرته الضيقة على بعضها، والتي أشاد بها مختلف الشركاء، وتمثلت في عناية كبيرة بالفئات الهشة ووضع الجانب الاجتماعي ضمن "أولويات" رئيس الجمهورية.
ووفق القاعدة الفرعونية "ما أريكم إلا ما أرى" انتقد "مثقف فرية الوثيقة"، الوضع في موريتانيا، وهذا أمر طبيعي ومتفهم جدا ممن يريد طرح نفسه كبديل لمعارضة رسخت نضالها منذ التسعينات؛ لكن "المثقف" لم يوفق في قوله: إن نظام الرئيس غزواني حث المفسدين على النهب ووعدهم بالثقة؛ في نفس اليوم الذي استلمت فيه المحكمة العليا أكبر ملف للفساد في تاريخ الجمهورية، ولعل "صاحب الوثيقة" انشغل بتنظيم نشاطه عن متابعة الحدث.
وفي ثالثة أثافي "صاحب الوثيقة" أغلق الطريق أمام الحلول في الوقت الراهن؛ ونحن بدورنا نسأله، إذا كانت الحلول غير متاحة في هذا الوقت، فلم تطرحون أنفسكم كبديل، ألا تخافون أن يصيبكم القرح كما أصاب من اتهمتموهم بذلك..؟!
أما التهافت الأكبر في طرح "مثقف الوثيقة" فهو ما ذكره بخصوص النظام الذي وصفه بالعبثي ودعاه للمغادرة؛ حيث اعترف حرفيا بقدرته على تنظيم انتخابات حرة نزيهة، "وأن ذلك ممكن، وأنه هو الموضوع الرئيسي المطروح اليوم".
ونحن نتسائل بدورنا .. إذا كان النظام عبثيا وتجب مغادرته، وأهلك الحرث والنسل، فكيف يمكن أن ينظم أو يكون طرفا في انتخابات "حرة ونزيهة" تفتح الطريق أمام البديل المزعوم..؟!
ويسهب "المقف" في هذيانه حين يصف الانتخابات المقبلة ب" المغامرة انتخابية"، وأنها جاءت "لإلهاء للناس عن الأزمة الاجتماعية"، وكأنه يريد استمرار النظام في الحكم، في نفس الوقت الذي شدد على أن مغادرته هي الحل الوحيد لمشاكل البلد..!
وعلى نفس نسق "عتشوه .. الحمد لله .. يرحمك الله العظيم" ردد حلفاء "مثقف الوثيقة" بعضا مما قال، ولهم في الردود عليه ردود.
النتيجة أن أي قادم من ضفة بعيدة لا بد أن يعزف خارج النسق، لكن من يطرح نفسه كبديل لمنظومة رسخت تاريخها منذ القرن الماضي، يجب أن يلجأ للطرق غير التقليدية، والمواطن الموريتاني سمع نفس الأسطوانة من عشرات القادمين الجدد إلى المعترك السياسي، وما عادت تنطلي عليه تلك المقاربات الخادعة.
الشعب الموريتاني يعي جيدا من هم الأصدق، ومن الذين إذا تعهدوا وفوا، والفرق بين من يدري من أين تؤكل كتف السياسة، وبين هواة القادمين والمستجدين مع بداية كل موسم انتخابي.