على مدار الساعة

رسالة مالي إلى العالم/ المختار ولد الشين*

11/02/2022 - 17:21

 تحتضن منطقتنا الآن حدثا كبيرا هو القمة العربية التي تجري بحضور اثنين وعشرين دولة فضلا عن الرؤساء الأفارقة من ضيوف الشرف، والهيئات الإقليمية والعالمية.

ومن البديهي أن "الملف المالي" يتصدر اهتمام كل اجتماع وكل قمة تجري في العالم أحرى في المنطقة المحادة لمقر هذا الحدث، ف"الملف المالي" فرض نفسه أولية رغم الظرفية التي يمرّ بها العالم بين مطارق وسنادين الأوبئة والتلويح بالحروبِ الغير النمطية.

إنَّ مالي التي تستقطب اهتماما إقليميا وعالميا جراء التحولات التي شهدها هذا البلد خلال الفترة الأخيرة، هي الرقم الصعب في استقرار المنطقة، بل وفي إعادة توجيه التوازناتِ التي يفترض أن ترتهن للمصالح العامة للدول: في الساحل، وفي المنطقة، وفي العالم.

ومن هنا لا بدَّ من تقديم "رسالة مالي إلى العالم"، وهي الرسالة المفتاح لأي حلول مستقبلية تخدم مالي والماليين وجوارهم والأمن العالميِّ.

لنبدأ، هذه الرسالة، إذنْ، ببعض المعطيات:

1. جمهورية مالي دولة مستقلة منذ 22 سبتمبر 1960، تزيد مساحتها على 1241238 كلم مربع، مع تعداد للسكان يزيد على 21 مليون نسمة. 

2. مالي هي البلد المنتج الأول للقطن في إفريقيا، وثالث منتج للمادة الليثيوم الضرورية للهواتف الذكية، الكمبيوترات، شاشات التليفزيون، وعشرات المنتجات الألكترونية.، فضلا صناعات هندية وتقنية أخرى.

3. مالي بلد غني جدا بأنواع المعادن لاسيما الذهب حيث أنها ثالث منتج للذهب في القارة الإفريقية، ولديها الحديد، الفوسفات، النحاس.... إلخ.

4. لدى مالي 900 ألف كلم مربع يوجد فيها احتياطات من الغاز، النفط، الفحم، وثروات كثيرة معتبرة. 

5. في سنة 2012 سقطت 3 مدن من شمال مالي (كدال، تمبكتو، وغاوه).. تحت يد الجماعات الإرهابية المتطرفة تزامنا مع إعلان الحركات الأزوادية الإنفصال عن الدولة المركزية في بامكو.

6. في ذات السنة، 2012، طلبت سلطات بامكو، تدخل فرنسا بدعم من الأمم المتحدة فيما يسمى بسرفال، واليوم "مونسيما". وتم تحرير هذه المدن التي احتلتها المتطرفون، ولكن بعد 9 سنوات من تواجد القوات الفرنسية برخان، والقوات الأممية نجد أن 70% من البلد يطالها التهديد من طرف الجماعات الإرهابية المسلحة، والتي انتقلت من شمال البلاد إلى وسط وجنوب البلاد. بلغة الأرقام كان 30% من أرض مالي مهددة بالجماعات الإرهابية واليوم 30% فقط هي المتبقية عن خطر هذه الجماعات.

7. مات 59 فرنسيا منذ بداية التدخل الفرنسي سنة 2012 في مالي، وما يزيد علي 100 جندي أممي ومايزيد على يزيد 11 ألف مدني من الدول الثلاث مالي، النيجر، وبوركينا فاسو.

8. أمام وضعية كهذه، وحصيلة كارثية تحت أنظار العالم، كان من الضروري التحرك من أجل إنقاذ مالي وإسقاط الرئيس بوبكر كيتا (رحمه الله)، وإعادة هيبة الدولة واستعادة السلم الأهلي وإعادة الاستقرار. وتتطلب ذلك الاضرار إلي إنقلاب ثان في 2021، بعد الأول في 2020.

9. من أجل كل ما سبق.. كان من ضروري مراجعة سياسة الدفاع المشترك مع المستعمر السابق فرنسا.. وتوقيع اتفاقية دفاع وتعاون عسكري جديدة مع جمهورية روسيا الاتحادية، وكذلك توقيع اتفاقية تدريب مع الجماعة المثيرة للجدل مثل "مؤسسة فاغنر".

10. وكان لا بدَّ من اللجوء إلى تسليح خارج "سوق الخردة"، فتم إقتناء معدات عسكرية روسية متطورة، هي التي ساعدت في دحر الجماعات الإرهابية المسلحة وتأخير تقدمهم نحو العاصمة بامكو. 

11. كما تم إجراء تقييم للقوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمسة. والخروج من هذه المجموعة بعد رفض إعطائها الرئاسة الدورية لدولة مالي.

12. ولقد تم فرض حصار اقتصادي على دولة مالي من طرف مجموعة غرب إفريقيا الإقتصادية "Ecowas" لمدة ستة أشهر. وكان ذلك الحصار من أكبر الهدايا التي تلقتها الجماعات الإرهابية الساعية لإضعاف الحكم المركزي في باماكو، وتوطين الضرر باقتصاد البلد لتوتير البيئة الاجتماعية والمعيشية للماليين.

وبالمناسبة كان دور الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني بحق دورا مشرفا بقراره التاريخي رفض العقوبات الاقتصادية الظالمة على الشعب المالي. 

إنَّ لموريتانيا حدودا تزيد على 2237 كلم مربع مع جمهورية مالي.. وهناك 4 ولايات موريتانية مهمة جدا مرتبطة بالجارة مالي وهي: الحوض الشرقي، الحوض الغربي، لعصابة، وولاية كيدي ماغا، وهذه ولايات روعوية بامتياز حيث تضم 80% من ثروة البلاد الحيوانية، كما أن سكان هذه الولايات يمارسون التجارة، والزراعة، ويتحركون في منطقة تنموية هامة وحساسة.

13. الشريك الاقتصادي الأول لدولة مالي هو جمهورية الصين الشعبية. وليس أي دولة أخرى.

14. هناك جالية مالية في فرنسا تزيد على 100 ألف نسمة. هي الجالية الثانية في فرنسا من ناحية العدد بعد الجالية الجزائرية. 

• تتمتع الطغمة العسكرية الحاكمة في بامكو بشعبية كبيرة. فكل القرارات الصادرة عن المجلس الإنتقالي تلاقي قبولا ودعما شعبيا كبيرا، والمواطن المالي البسيط يدعم سياسة الرئيس غويتا وزملائه العسكريين كامارا، كوني، واكي، جو. ويتجلى ذلك في الاحتفالات ووسائل التعبير المختلفة.

• مالي لاتعادي فرنسا وتسعى إلى علاقات مع جميع الدول مبنية على الاحترام المتبادل وعلى المصلحة العامة للجميع.

والحوار والتعاون بين مالي وفرنسا أمر حتمي من أجل مصلحة البلدين والشعبين والمنطقة وأمن العالم. وما سوى حوار لا إملاءات فيهِ لن يكون ولن يحقق أي نتيجة.

• إن جمهورية مالي، بقيادتها العسكرية الجديدة، تركز على تحقيق مصالحها من خلال دولتي الجوار: الجزائر وموريتانيا، وطبعا الولايات المتحدة الأمريكية. فهذه الدول الثلاث قادرة على لعب دور محوري مهم لمساعدة دولة مالي شعبا وحكومة. مساعدة تعود على المنطقة والعالم بنتائج جوهرية وقابل للديمومة.

هذه باختصار هي رسالة مالي إلى العالم. إنها ليست مبهمة ولا مشفرة، ومن المضمون الرهان على رؤية باماكو واستراتيجيتها في مرحلة حاسمة، لكن من المستحيل العمل بتوكيلات منتهية الصلاحية. بل بالعقلانية والأخوة وتغيب المصالح الآنية يكسب الجميع. الساحل وإفريقيا والمنطقة والعالم.

 

*باحث موريتاني مهتم بشؤون منطقة الساحل.