استبن (نواكشوط ) - يتزايد توافد الآلاف من السكان الماليين على الحدود الموريتانية هربا من الهجمات المتكررة التي تشنها التنظيمات الجهادية هناك، وارتفاع حدة المعارك مع قوات الجيش في منطقة الوسط في مالي وفي اتجاه الجنوب من الحدود مع موريتانيا.
وقد ارتفع عدد المخيمات التي تأوي لاجئين في موريتانيا بشكل ملحوظ، وهي مخيمات باتت تستوعب الآلاف. ويؤكد عبد الرحمن وَدَّادي، الناشط السياسي والحقوقي الموريتاني، عدم توفر إحصائيات دقيقة حول أعداد المواطنين الماليين الذين لجؤوا إلى موريتانيا، لكنه يؤكد أن عددهم ضخم جدا ويحصى بالآلاف، من بينهم أولئك الذين يوجدون في مخيم "امبره" قرب الحدود المالية في الحوض الشرقي لموريتانيا. وقدر ودّادي عدد المسجلين منهم بحوالي 50 ألفا. بينما تتحدث مصادر أخرى عن أكثر من 78 ألف لاجئ باتوا يعيشون في مخيم "امبره" الذي يُعد أحد أكبر مخيمات منطقة الساحل، ووصل إلى مستوى تكدس للاجئين لم يصله من قبل. وهو مخيم تُشرف عليه بعثة الأمم المتحدة، بتنسيق مع السلطات المالية.
وحسب المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وصل حوالي ثمانية آلاف من المواطنين الماليين إلى المخيم بوسائلهم الخاصة منذ بداية هذا العام.
كما ذكر برنامج الأغذية العالمي في نشرته الإحصائية الشهرية ليونيو/حزيران المنصرم أن موريتانيا باتت تُعد أكبر وجهة يقصدها المهاجرون واللاجئون في غرب إفريقيا.
وجاء في التقرير أن” تدفق اللاجئين الماليين نحو مراكز اللجوء في موريتانيا متواصل منذ تسع سنوات، وقد ازداد بسبب الاضطرابات الأمنية الأخيرة في المناطق الحدودية حيث وصلت موجات جديدة من اللاجئين إلى موريتانيا".
الهروب من دوامة العنف
تعيش دولة مالي منذ عام 2012 أزمات أمنية وسياسية حادة بعد نشوب تمرّد مُسلّح قادته حركات انفصالية وجهادية في شمال هذا البلد، ودخول مالي في دوامة من العنف وانعدام الاستقرار، ثم امتد التمرد والعنف إلى وسط البلاد قبل أن ينتشر في منطقة الساحل غرب إفريقيا، وحتى إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين.
وتزيد الصراعات القبلية وقُطاع الطرق من حدة العنف الدائر في البلاد، خاصة وأن الجيش المالي كثّف عملياته وسط مالي ويُتهم بالقيام بدوره بأعمال عنف.
وكانت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي، عبرت في شهر مارس/آذار المنصرم، عن قلقها من تدهور الوضع الأمني وسط البلاد، ونددت بمقتل مئات المدنيين في تصعيد للهجمات التي تشنها الجماعة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم داعش.
كما يعيش سكان قرى تدور فيها المعارك بين الجيش المالي النظامي وجماعة دعم المسلمين التابعة لتنظيم “القاعدة”، بين مطرقةٍ وسندان. فالجيش الحكومي يتهمهم بربط علاقات سرية مع الجماعات الجهادية المسلحة. بينما تتهمهم هذه الأخيرة بالعمل لحساب الجيش الحكومي المالي، ما يعرضهم لعمليات انتقامية.
وقد تسبّب هذا العنف في مقتل آلاف المدنيّين والعسكريّين وجرح آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، عدا عن تشريد الآلاف من السكان الذين فقدوا منازلهم واضطر الآلاف منهم إلى الفرار خوفا على حياتهم. وقد اتجه الكثير منهم إلى مخيمات نُصبت داخل البلاد، لكنها بدورها لم تضمن لهم الاستقرار، فسار من استطاع منهم نحو الحدود الموريتانية ومنها في اتجاه إحدى المخيمات أو إلى مناطق أخرى من البلاد، خاصة وأن نواكشوط تمكنت من الحد من انتشار المدّ الجهادي الذي استهدفها لعدة سنوات، عكس دول غرب الساحل.
وقد ذكر مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، ومقره واشنطن، في تقرير نشره في يوليو/ تموز المنصرم، أن تصاعد عنف الجماعات الإرهابية في الساحل، خصوصا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، يتم بشكل أسرع من أي منطقة أخرى في إفريقيا، بزيادة قدرها 140% منذ عام 2020.
ويضيف الناشط الحقوقي والسياسي، ودّادي على تلك العوامل، أخرى مرتبطة بضعف اقتصاد دولة مالي وعدم الاستقرار السياسي وتعرض البلاد إلى انقلاب عسكري وقرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) بداية العام الجاري، فرض عقوبات اقتصادية صارمة على مالي لأسباب من بينها تراجع الحكومة الانتقالية عن تعهدها السابق بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في فبراير/شباط من عام 2022.
ظروف صعبة في الملاجئ
تؤكد مختلف التقارير أن وضعية اللاجئين الماليين في موريتانيا صعبة، حيث يعانون من صعوبات كثيرة مرتبطة بازدحام الملاجئ وصعوبة الحصول على عمل وحصول من يعمل منهم على أجر زهيد جدا.
ويؤكد عبد الرحمن وَدَّادي، الناشط السياسي والحقوقي الموريتاني، أنه "إذا كانت دول كبرى في العالم تعاني من مشكلة اللاجئين، فما بالك بموريتانيا التي تعد من بين أفقر الدول في العالم؟ أضف إلى ذلك الضغوط الكبيرة التي تعيشها البلاد خاصة خلال فترة الجائحة وتداعيات أزمة أوكرانيا على الاقتصاد العالمي وارتفاع الأسعار". ويؤكد ودّادي أن السلطات الموريتانية لا تجد مفرا من استقبال أولئك اللاجئين وتحمل الوضع، خاصة وأن الأمر يتعلق بدولة جارة وشقيقة".
وتحصل موريتانيا على دعم مادي ولوجيستي لمواجهة الوضع، سواء من الأمم المتحدة أو دول أخرى وخاصة منها دول الاتحاد الأوربي.
وتؤكد منظمة الهجرة الدولية، التابعة للأمم المتحدة، أن قضية الهجرة تعد من أهم التحديات التي تواجه موريتانيا، خاصة وأن هذا البلد يتوفر على 5 آلاف كيلومتر من الحدود البرية والبحرية والجوية، لكنها لا تتوفر سوى على حوالي 50 معبر حدودي، وهي توجد في منطقة تتصاعد فيها النزاعات والمشاكل السياسية.
يُذكر أنه السلطات الموريتانية فتحت منذ بضعة أسابيع، مركزا في نواكشوط خصصته لاستقبال الأجانب الراغبين في البقاء على الأراضي الموريتانية كمقيمين شرعيين، وتقييدهم ضمن سجلات الوثائق الوطنية، ومنحت الأجانب المقيمين في موريتانيا مُهلة لا تتجاوز الثلاثة أشهر للإخطار الرسمي بتواجدهم قصد تسوية وضعيتهم القانونية.
المصدر: وكالات