كثيرة جدا، هي "غرائب" الملف الذي يعرف بـ"ملف العشرية"، سواء على مستوى حجم الفساد فيه، أو مستوى الانتقاء الذي طاله، أو المسار الطويل والمتعرج الذي أخذه، أو الخسارة المضاعفة للشعب الموريتاني جراءه، فلا هو أوقف فسادا ما يزال مستشريا بشكل أشد فظاعة من ذي قبل، أحرى أن يستعيد مئات المليارات – نعم مئات المليارات – التي نهتب من أموال هذا الشعب المسكين خلال "عشرية الفساد" المستمرة.
وليست آخر "غرائب" هذا الملف انتقاله من "الصخب" الكبير لكل الأطراف ذات العلاقة به إلى "صمت قبوري" لا تفسير له، وخصوصا بعد التطورات الأخيرة فيه.
ومن أبرز الصامتين:
- الرئيس السابق نفسه، والذي أكد في أكثر من خرجة له قبل السجن أنه لن يتنازل عن حقه في ممارسة السياسة. ورغم استعادته حرية منذ أسبوع تقريبا، فإنه لم يستعد هذا "الحق" ولم يتحدث لأنصاره وللشعب الموريتاني عن تجربته خلال السنة الأخيرة، وعن ظروف سجنه، وعن "مشاريعه" المستقبلية. كما أن أي متابعة لفضاءات التواصل الاجتماعي لن يعدم مؤشرات على "تهدئة" من نوع ما في صفوف أنصاره، وخصوصا المتحمسين منهم (علما أن دفاع الرجل نفى اليوم خلال مؤتمر صحفي وجود أي تفاهم في الملف).
- المعارضة – بكل أصنافها وتشكيلاتها وتلوناتها – وهو صمت غريب إزاء ملف بهذا الحجم، ومن المستغرب أن تصم إزاءه أيا كانت رؤيتها له. سواء رأت فيه التفافا رسميا من "أصدقاء الأمس" على الحرب على الفساد ولي عنقه، أو رأت فيه "إفراجا" عن مشروع "زميل" في "درب المعارضة الطويل".
في كل الأحوال يلزم أن تقول شيئا للشعب عن الموضوع
- ثالث الصامتين، هو جيش الدفاع الطويل العريض، المتشكل من عشرات المحامين، والمتعهد بـ"الدفاع عن مصالح الدولة الموريتانية"، وما أحوج الدولة الموريتانية لمن يدافع عن مصالحها؟ ألي غريبا – بل غاية في الغرابة – أن لا ينبس هذا الجيش الجرار بأي كلمة في هذا الملف رغم كل التطورات التي عرفها بدءا من المسار الغامض والمتعرج الذي أخذه الملف، وليس انتهاء باحتجاز النيابة له حتى انتهت فترة المراقبة القضائية لآخر المشمولين فيه قبل إحالته إلى غرفة الاتهام..
- رابع الصامتين، وقد ينافس من سبقه، هم أعضاء لجنة التحقيق البرلمانية (يوجد من بينهم استثناء يثبت القاعدة)، أين هم؟ ولماذا يصمتون وهم يشاهدون صرحهم "أدلتهم" ونتيجة سهرهم وعرقهم يتهاوى ويتلاشى؟ أليس من حق الشعب عليهم أن يسمع رأيهم في الملف بشكل عام، وفي مساره الذي سلك، وأن يصارحوه بتقييمهم للتجربة اليتيمة للبرلمان في هذا المجال؟
- خامس الصامتين: المحامية أو "الوسيطة" اللبنانية، والتي ظهرت "فجأة"، وملأت فضاءات التواصل الاجتماعي والإعلامي ضجيجيا وصخبا، قبل أن تزور نواكشوطـ (تزامنت زيارتها مع زيارات أخرى تزامنا لافتا)، ثم لتصمت بعدها إلى اليوم..!
قائمة الصامتين إزاء هذا الملف الصاخب أكثر من هذا كثير، كرجل الأعمال الشهير و"جوقته المنوعة"..
لكن في هذا غنية، وأمثلة تقرب الموضوع للفهم، وتثير التساؤل علها تستخرج أجوبة تخرج الشعب من حيرته المتطاولة..
أحمد محمد المصطفى
كاتب صحفي