فتحت تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا أعين الجزائريين مجددا على تحديات الأمن الغذائي في بلادهم، وذلك على خلفيّة الضغوط الكبيرة التي تواجهها أسواق الحبوب العالمية، باعتبار الجزائر مستوردا رئيسا للقمح من فرنسا وكندا وروسيا بدرجة أقل، وقد كانت قبل قرنين مصدر غذاء الأوروبيين.
وتؤكد أرقام وزارة الفلاحة الجزائرية توفير 70% من الاحتياجات الغذائية مقابل استيراد نحو 7 ملايين طن سنويا من الحبوب، منها القمح بنوعيْه، حيث لا يتجاوز محصول الجزائر 2.8 مليون طن من الحبوب، منها مليونا طن من القمح الصلب، في حين تكلّفها ورادات القمح اللين 1.5 مليار دولار في العام.
وركزت سياسة الحكومة القطاعية، ضمن "خطة 2024″، على الاستثمار في الزراعات الصناعية الإستراتيجية بالصحراء، لبلوغ 40 ألف هكتار من الذرة الصفراء، وتقليص فاتورة استيرادها التي تفوق حاليا 800 مليون دولار سنويا.
وطمأن أخيرا وزير الفلاحة الجزائري المواطنين بامتلاك بلاده "مخزونا كافيا لتلبية الاستهلاك الوطني من الحبوب حتى نهاية السنة الجارية"، مستبعدا التأثر بتداعيات الأوضاع الأمنية في أوكرانيا.
ونقلت وكالة رويترز، الخميس الماضي، عن متعاملين أوروبيين شراء الديوان الجزائري للحبوب بين 600 ألف و700 ألف طن من القمح اللين في مناقصة دولية، بسعر 485 دولارا للطن، شاملا تكلفة الشحن.
وتوقع الخبير عصام مقراني، في تصريح للجزيرة نت، أن تكون آثار الحرب على واردات الجزائر من الحبوب متحكما فيها نوعا ما، مقارنة بدول الجوار، لأن جلب القمح الروسي بدأ أول مرة منذ 3 أشهر فقط، بحجم تجريبي يُقدر بـ250 ألف طن.
وتتركز صادرات أوكرانيا نحو الجزائر أساسا في بذور الذرة، وبكميات محدودة مقارنة بما تستورده من الولايات المتحدة ومصر على وجه الخصوص، وفق الخبير مقراني.
من جهة أخرى، تبلغ مساحة الجزائر مليونين و382 ألف كيلومتر مربع، فهي أكبر دولة في قارة أفريقيا، بالإضافة إلى تربعها على أكبر خزان مائي جوفي في العالم، بالاشتراك مع ليبيا وتونس، حيث تقدر حصة الجزائر فيه بـ50 ألف مليار متر مكعب بمنطقة الجنوب، وهو ما يكفيها مدة 40 قرنا، وفق تقديرات الخبراء.
وتطرح هذه المعطيات المتناقضة، حسب الفنيين، إشكالية الأمن الغذائي وأسباب العجز عن الاكتفاء الذاتي من الحبوب والتصدير إلى الخارج، بخاصة من القمح والشعير والذرة.
وأرجع عصام مقراني، المتخصص في مشاريع الري والاستصلاح الزراعي، معوقات إنتاج الحبوب في الجزائر إلى تناقص الأراضي الخصبة بسبب الاقتطاع المتزايد منها لأغراض غير فلاحية، بخاصة في الشمال والهضاب العليا، فضلا عن تعرض الجزائر لمظاهر التغير المناخي، من انجراف التربة والتعرية والتملح وزحف الرمال.
وأشار المتحدث إلى تناقص منسوب المياه، حيث تعتمد معظم المساحات الزراعية الحيوية، بخاصة القمح في الهضاب العليا، على كمية الأمطار المتساقطة، مؤكدا أن نسبتها السنوية في المناطق الساحلية بين 800 إلى 1200 ملم، أما في أقصى الجنوب فلا تتجاوز 150 ملم، وهو ما يؤثر على مصادر المياه السطحية والجوفية ومخزون السدود.
كما يعاني الإنتاج الزراعي في الجزائر عموما، وإنتاج القمح بالخصوص من ارتفاع متزايد في أسعار الأسمدة الكيمائية والمبيدات والبذور المستوردة، على حد تعبيره.
وأثار الخبير مقراني الحاجة إلى العتاد الفلاحي، حيث تمتلك الجزائر مصنعا لإنتاج أكثر من 300 حاصدة سنويا، إلا أن ذلك غير كاف، ومثله عـدد الجرارات الذي بلغ 132 ألف جرار، وذلك يجعل معدله في الجزائر (جرار لكل 89 هكتارا) غير كاف أيضا، مقارنة بالمعدل العربي (جرار لكل 37 هكتارا).
وأوضح أن ضعف استعمال الأسمدة يؤثر سلبا في إنتاج حبوب القمح في الجزائر، لارتفاع أسعارها من جهة، وصعوبة الحصول على الكميات الكافية منها، بالإضافة إلى تأخر وصولها عن الوقت المناسب لاستخدامها، من جهة أخرى.
ومن جانب آخر، كشف المهندس حسان بن يحيى أن المساحة المخصصة للزراعات الكبرى في الجزائر تبلغ حاليا 3.3 ملايين هكتار، بمتوسط إنتاج في حدود 4.5 ملايين طن (أي مردود بـ14 قنطارا/الهكتار)، في حين يبقى الهدف بلوغ 7 ملايين طن سنويا.
وأكد أن بلاده في مقدورها التقليل من الاستيراد في غضون السنوات القليلة القادمة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي جزئيا، من خلال سياسة واضحة المعالم وسلسلة إجراءات شجاعة من جانب السلطات العمومية.