بعيد الإعلان عن تشكيل أول حكومة في ظل عهد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؛ شاركتُ في نقاش حول رجال المرحلة، كان من ضمن المشاركين صديقان درسهم وزير الداخلية الدكتور محمد سالم ولد مرزوك، وكنت صاحب التساؤل حول الأسس التي تم على أساسها اختيار مرزوك وزيرا للداخلية.
ورغم تعدد التحاليل فقد كانت مداخلة أحد الأصدقاء حول كنه شخصية الوزير حيث قال :
"درسني مرزوك سنة في الجامعة، لا أتذكر أنه تأخر أو غاب فيها ولو لمرة واحدة، كما أذكر أنه خلال إلقاء المحاضرة يرغم المتلقين على متابعته دون أي تشويش في المدرجات، وذلك من خلال تدرجه في سرد الأفكار وأسلوبه التشويقي الذي يجعلك تنتظر مفاجئة في الجملة التالية؛ وهكذا حتى نهاية المحاضرة" انتهى الاستشهاد.
كانت المداخلة الثانية حول نفس الوزير تنصب حول الهوية؛ حيث أضاف متدخل آخر:
"ولد مرزوك من الأشخاص الذين يصعب حصرهم في جهة معينة فحدوده حدود البلد، ولا تمكن نسبته إلى عرق أو جهة أو ولاية أو إيديولوجية وهذه النقطةمطلوبة في كل الوزراء، كما هي مطلوبة بشكل أخص في وزير الداخلية"
أما المداخلة الثالثة فتمحورت حول شخصه، حيث أشار أحد من درسهم سابقا إلى أنه شخص جدي؛ لايعرف اللعب ويتحاشى الهزار وولاءه للبلد، يؤمن أنه بالإمكان دائما أفضل مما كان؛ ثم يضيف :
" مع نهاية كل محاضرة كان ينصح بمراجعة كتب يحددها حول الموضوع، وينصح بقراءتها لاستكمال الفائدة"
أما المداخلة الرابعة، فكانت ذات صبغة تحليلية أكثر، حيث ذكر صاحبها، أنه من خلال شهادات الزملاء الذين تعرفوا على الرجل عن قرب، يتبين لنا أنه الأصلح لقطاع الداخلية بالذات، ففي الكثير من الدول يتم اختيار لواءات الشرطة والجيش أحيانا لقيادة القطاع، نظرا لتربيتهم العسكرية، وانضباطهم وعدم استسلامهم للولاءات التي تناقض روح الوطنية؛ وهذا ما يمكن أن نقرأه في شخصية مرزوك، على الرغم من أنه أكاديمي مدني.
اليوم وبعد سنتين ونيف من قيادة ولد مرزوك لقطاع الداخلية أعتقد شخصيا أن جميع النقاط التي سجلها في هذه المرحلة يمكن تسجيلها لصالحه بما لا يدع مجالا للشك.
وجد ولد مرزوك قطاع الداخلية وقت وصوله للكرسي وزارة من ضمن الوزارات كأي وزارة أخرى، شأنها شأن وزارة البيئة أو كتابة الدولة لشؤون المغرب العربي، وهذا خلل إداري مفرط ، فوزارة السيادة لها معجمها الخاص.
صَحح ولد مرزوك وضعية الوزارة في جميع قطاعاتها، كما أعطى صيتها الماء الذي يستحق، هذا فضلا عن تفعيل دور القطاعات الأمنية وشبه العسكرية التي تعمل تحت وصايتها.
تمت حلحلة مكب تفيريت، وانهار جبل القمامة سيئ الصيت، كما ضبطت الوضعية الداخلية بالمليمتر، وأشاد الشركاء الدوليون بدور البلاد في محاربة الهجرة غير النظامية والجريمة العابرة للحدود.
تحدى ولد مرزوك قبل فترة من يستطيع أن يثبت أن في البلاد جريمة تم تسجيلها ضد مجهول، فلم يقبل أحد دخول التحدي، كما سجلت الأجهزة الأمنية عدة ضربات استباقية، حالت دون حصول الجريمة.
تمت عصرنة الرقابة الأمنية الإلكترونية في عهد ولد مرزوك، كما تم تطوير قدرات الشرطة القضائية، وتم تزويدها بأحدث الأجهزة وفتحت لها قنوات تعاون مع العديد من نظيراتها في العالم.
وفي عهده تم تفعيل سياسة اللامركزية واطلعت السلطات الإقليمية بدورها أحسن من ذي قبل، وأصبح للوزارة السيادية حظ من إسمها، بعد أن كانت وزارة باهتة الدور كأي وزارة هامشية.
وإذا كان مندوب السنغال في منظمة استثمار النهر السينغالي قد فصل القول ممجدا المنظمة بأن دهرها دهران، الأول ماقبل مرزوك، والثاني مابعد مرزوك إشادة وتثمينا بدوره في مأسسة المنظمة وتفعيلها؛ فإن الأمر يصدق تماما على وزارة الداخلية الموريتانية، فدهرها دهران قبل تعيين الدكتور مرزوك وبعده؛ وهي نقطة تحسب لصاحب النظرة الثاقبة في اختياره وإسناد المهمة الحساسة إليه دون غيره.