إن الخوف على وحدتنا الوطنية ومستقبلنا السياسي وإشكالاتنا الاجتماعية ؛ يحتم علينا أخذ جرعة من التفكير العميق والحصيف لفهم خطاب فخامة رئيس الجمهورية خلال افتتاحه لمهرجان مدائن التراث بمدينة وادان ، تفكيرنا يجب أن يطال كل التابوهات والأشكال والقوالب الرجعية التي أثرت وعطلت بناء دولة القانون والمواطنة وغيبت تكريس الحكامة الرشيدة ؛ في الواقع يبدو أننا ظللنا مغيبي العقول عن خطورة الخطاب القبلي والجهوي والشرائحي الأمر الذي جعلنا ندور في فلك من الضياع السرمدي .. فخسارتنا الدائمة اللحظة المثالية التي يكون فيها الفعل السياسي ملائما تماما ومنسجما مع الأهداف الإستراتجية الكبرى للأمة جعلتنا نقع في النفق المظلم .. فكيف وصلنا إليه وما هي آليات خروجنا من ذلك الضياع ..؟.
إن معرفة الحقيقة تستدعي التزام الصمت وقتا كافيا .. لكنه في المقابل لا يجوز لنا أن نعرف الحقيقة ونواصل الصمت ..!
إننا لم نعد قادرين على المزيد من الصمت ونحن محاصرون بين كثبان وطن من الأطماع المتحركة .. تحركها الجهوية والمحسوبية والقبلية لطمر و تدمير وطن ضحى من أجله الآباء بدمائهم الزكية وذادوا عن حياضه بكل شرف وبسالة ؛ لقد حذر فخامة رئيس الجمهورية بصدق وصرامة من خطورة هذه الظاهرة على وحدتنا الوطنية داعيا الجميع إلى الوقوف في وجه هذه الظاهرة المستفحلة وتلك لعمري دعوة في باطنها الكثير من الإنذار والتحذير لمن استمرؤوا هتك حصون وحدتنا الوطنية أو جعلوا ولاؤهم للجهة والقبيلة بدل العمل على تكريس دولة القانون المواطنة .
لعل هذا أول خطاب لرئيس للجمهورية منذ نشأة الدولة يعبر فيه بكل وضوح عن حزنه وألمه للمظالم الاجتماعية التي تعرضت لها بعض المجموعات الوطنية ؛ واختار فخامته مدينة وادان ليجعل التاريخ شاهدا على تقديره وعرفانه بالجميل لمن شيدوا الحصون والدور والقلاع ، لمن صنعوا الدواة واللوح والقلم وامتشقوا السلاح دفاعا عن الشرف والعرض ليورثونا هذا التراث الجليل..
أكاد أجزم أن مسامع من مروا من وادان "ذات زمن جميل طربت وفرحت لهذا الخطاب ؛ ورددت بصوت شجي "أخذناك عهدا حملناك وعدا .. ونهديك سعدا لجيل أطل"..
شيطنة الأنظمة تبدأ بتعطيل مشاريعها التنموية ..!
يرى مفكرو السياسة أن الخادم الفعلي لأي نظام سياسي هو قوة الاقتصاد وسرعة الانجاز والتنفيذ ؛ ولعل فخامة رئيس الجمهورية هو الوحيد المدرك لهذه الحقيقة فلولا حديثه وتصريحه الصادق أكثر من مرة عن عدم رضاه لمستوى إنجاز بعض البرامج التنموية و التأخر الكبير الحاصل في بعضها الآخر لما علم المواطنون بتعطيل وتأخير مشاريعهم ..
في الواقع يرفض الرئيس أن يكون مغيبا ، كما يرفض غُمر مكتبه بالتقارير المنفوخة ؛ لهذا يخاطب شعبه بصدق دون تزييف ولا تحريف ، هذا ما كشف البيان الرئاسي الأخير ، وبعبارة أخرى لقد ولى زمن السيبة والتهاون ولم يعد مقبولا أي تأخير في آجال تسليم المشاريع ، وعلى الجميع أن يعي ذلك جيدا ، كما آن للنخبة السياسية أن تكتفي من الجمود وتصعد منابر الرأي بالحكمة والكياسة والتوجيه والنقد الرشيد ؛ لتكون هي الأخرى دافعة ورافعة لتسريع وتيرة العمل والإنجاز ، ثم إنه على الشباب أن يقتنص بجد وحماس الفرصة والمكانة التي منحه رئيس الجمهورية والتي عبر عنها في خطاب الاستقلال وجسد ها في مشاريع وتمويلات خاصة بالشباب بلغت 34 مليار أوقية قديمة أعلن عنها خلال إشرافه على إطلاق برنامج التشغيل والتكوين والدمج المهني.
في الحقيقة تبدو الخطوات المتسارعة والمتلاحقة لتلافي الاختلال قوية وحازمة وصارمة لكنها بكياسة وحكمة ووعي محيط بالاكراهات والتحديات ، والعول كله في هذه المرحلة على الوطنيين الصادقين المستعدين لخدمة وطنهم بعيدا عن الجهوية والقبلية واللونية والشرائحية .