على مدار الساعة

اعتماد نهج تنموي جديد..مقترح للتشاور الوطني / بوبكر أحمد

10/11/2021 - 15:51

من المنتظر أن تنظم موريتانيا خلال الفترة القادمة، " تشاورا وطنيا" استجابة لإلحاح بعض المجموعات السياسية. رغم أن تجربة الحوارات ليست بجديدة على موريتانيا وتنتهي في الغالب بترضيات سياسية لصالح المتحاورين أكثر من خروجها بتوافق عميق حول الإشكاليات الكبرى التي تعاني منها البلاد.

ففي بلد مثل موريتانيا يتميز منذ الاستقلال ب (التضخم السياسي والعجز التنموي والتخبط الاقتصادي) يعتبر من الضروري تحقيق حالة من الإجماع الوطني على نموذج بديل يأخذ في الاعتبار فشل المنهج المعتمد منذ عقود وعدم قدرته على تقديم معالجات جذرية للمسألة الاقتصادية والاجتماعية واكتفائه بتقديم المسكّنات والحلول الترقيعية الظرفية.

ولعل من أبرز الإشكاليات الكبرى القائمة منذ مطلع التسعينات حتى اليوم:

تجديد الخطاب العام: حيث تم استهلاك معاني كثيرة على غرار (الإصلاح، محاربة الفقر، الفساد، التنمية، التشغيل. الخ) على المستوي الرسمي و (محاربة العبودية، انصاف المبعدين، النضال من اجل الحريات، محاربة الدكتاتورية ...الخ) على مستوي المعارضة، وتم إفراغها من معانيها السامية بشكل اهتزّت معه ثقة المواطن في الطرفين مما أدي الي فراغ تسلل منه بشكل لافت خطاب شعبوي خطير ذا طابع فئوي يزداد يوما بعد يوم.  ومع ذلك لا يزال الجميع مصرا على مواصلة الحوار حول نفس المفاهيم!

 الإحباط العام على المستوي الشعبي حيث يسود منذ سنوات مزاج سلبي يطبعه فقدان الثقة في السياسي والخوف من المستقبل وتطغى عليه مشاعر فقدان الأمل والرغبة في التغيير نتيجة الشعور بالغبن والتهميش وانعدام المساواة.

علي مستوي النخبة (موالاة ومعارضة): العجز الواضح على الصّعيد النظري والعملي عن تقديم تصور واضح للإصلاحات الضرورية وطبيعتها ومضمونها ومجالاتها وترتيب الأولويات وإدارة الشأن العام الوطني بمختلف أبعاده السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والمجتمعية.

علي المستوي الرسمي: العجز عن تقديم بدائل ذات مصداقية وإدمان الحلول العشوائية والتركيز على الطابع الكرنفالى مع الاعتماد شبه المطلق على المساعدات الفنية والمالية الخارجية، فضلا عن تغوّل أصحاب النفوذ وتبديد مقدّرات الدولة واختراق بعض مفاصلها من طرف قوى الفساد واللوبيات المصلحية. كل هذا بالإضافة الي انخراط غالبية كبار الموظفين العموميين في تأجيج الصراعات المحلية الضيقة مع بروز لافت للنعرات الجهوية والفئوية المكبوتة لدي هذه الطبقة مما خلق استنزافا للجهاز الإداري في صراعات عبثية مدمرة لا طائل من ورائها.

علي المستوي الاقتصادي: غياب رؤية استراتيجية واضحة والعجز عن مواكبة نسق التحوّلات المتلاحقة وطنيا ودوليا منذ التسعينات، يُضاف إلى ذلك ضعف القدرة على تنظيم وتطوير القطاعات الحيوية وطغيان الاحتكار وتنامي السوق الموازية على حساب الاقتصاد المنظّم. ولعلّ ترتيب موريتانيا المتأخر على جميع المؤشّرات الاقتصادية والتنموية العالمية يعتبر أبلغ دليل على هذا الفشل المدوّي وعلى انعكاساته المدمّرة على حياة المواطن وعلى قدراته الشرائية، وصحّته، وتعليمه وأمنه الغذائي.      

علي المستوي الاجتماعي: ارتفاع مفزع في نسب الفقر والبطالة وخاصّة في صفوف الشباب وحاملي الشهادات وتزايدا مهولا في معدّلات التسرّب المدرسي وتوسّع رقعة الفئات الهشّة وتنامي مقلق للجريمة بأنواعها في ظل انهيار مستمر لمنظومة القيم وتردي أخلاقي غير مسبوق.

وأخيرا على المستوي المالي: الانزلاق تدريجيا نحو نهج جبائي صارم، يحول الدولة نفسها الى ما يشبه مؤسسة ربحية تحصِّل المكاسب من المواطنين من أجل سد عجز الميزانية، بدلًا من القيام بدورها التقليدي كجهاز رعاية للشعب.

إذا من الواضح ضرورة اعتماد منهج جديد يتميز بالملامح العامة التالية:

تعديل دستوري يعترف بشكل صريح بحق كل مواطن في التعليم، الصحة، الوظيفة والبيئة السليمة.

إعادة صياغة السياسات العامة بما يضمن حصول كل مواطن على هذه الحقوق (تعليم جيد وخدمة صحية مقبولة، وظيفة)

دسترة آليات مكافحة الفساد.

رسم حدود واضحة بين الامتيازات السياسية والمسألة الاقتصادية والاجتماعية.

وضع معايير لاختيار المناصب العليا.

اعتماد رؤية اقتصادية للبلد تتضمن حلول اصلاح سريعة (الإصلاح العقاري، اصلاح النظام المصرفي ...الخ)

التوازن بين الاستثمار في البني التحية ورأس المال البشري والإنتاج

إصلاح النظام الجبائي بما يضمن التوازن بين دفع الضرائب والاستفادة من الخدمات العمومية

إن اعداد مثل هذا الحلول يتطلب توافق بين مكونات المشهد السياسي والقوي الوطنية والخبراء.. الخ بخصوص منهج جديد يجعل من السياسي وسيلة لتعزيز المسألة الاقتصادية والاجتماعية -لا العكس- مع وضع تصور واضح للإصلاحات التي يجب الشروع فيها والقيام بها في السنوات المقبلة مهما تغيّرت الحكومات.