تلوح في الأفق القريب ملامح حوار أو تشاور؛ ينتظره الساسة بشغف و يتساءل العامة بكل عفوية عن جدوائيته، هل من بينها توفير قدرة شرائية لهم أو توفير حاجياتهم الضرورية على نطاق واسع و بصفة شبه مجانية لأسر لا دخل لها و أسر محدودة الدخل.
و بين الساسة و العامة يستمر الشد و الجذب و تتباين الآراء و الافكار حول مستقبل التنمية في ظل توجه إصلاحي و إنسجام سياسي يطبع المشهد الوطني منذ بداية النظام الحالي.
من وجهة نظر سياسة بحتة يشكل الحوار أرضا خصبة لإعادة الاعتبار السياسي للاحزاب و التكتلات المجتمعية؛ و يتيح الفرصة للنخب السياسية لترميم مواقعهم و فرض ذاوتهم في الساحة الوطنية.
و لئن كانت التنمية تحتاج الحوار كأساس لخلق توافق و إنسجام عام يمكن من خلاله أن تنطلق قوافلها بأمان و سلام؛ الا أن إكراهات التنافس السياسي و إملاءات الأهداف الحزبية التي تتعلق بذوات الساسة و تموقعهم في الخريطة السياسية للبلد؛ تضع البعد التنموي على المحك.
و لعل البعد الوطني وحده هو الذي يحدد مدى سلامة مخرجات حوار تتعرض لكثير من اعادة التصنيع و التكرير ؛ و قد تخرج للمواطن منزوعة الدسم إذا لم تجد روحا وطنية سائدة و تضحية كبيرة رائدة؛ تضمن جدوائيتها و تحرص على واقعيتها.
و قد يقول القائل كيف نخشى على نتائج حوار تديره نخب وطنية ممثلة في أحزاب تمثل كافة إتجاهات الطيف السياسي الذي هو صدى و إنعكاسات رؤى المواطن العادي؟
و الجواب ان الفجوة السياسية بين المواطن العادي و الطيف السياسي فجوة كبيرة لدرجة انها تشكل ظاهرة إنفصام حقيقي بين المواطن و الأحزاب الوطنية المفترض انها تمثله و حتى النقابات و المجتمعات المدنية.
و ذلك أن داء الفساد العضال الذي ينخر جسم البلد منذ عقود؛ لم يسلم منه طيف سياسي و لا طيف مدني؛ فقد اصبح ثقافة تسكن مخيلة أغلب المتصدرين للمشهد العام.
إن تمثيل المواطن العام في حوار او تشاور يراد له من أعلى سلطة في البلد ان يكون رافعة للتنمية و تهيئة لساحة العمل و النماء؛ يحتاج لروح وطنية عالية الجودة، تسكن أولئك الوجهاء و النخب و الساسة؛ و تجعلهم أحرص على مصلحة المواطن البسيط من مصلحة ذواتهم و أحزابهم، و يدرك أصحابها أنهم إنما حضروا تمثيلا عن قاعدة شعبية و ليس تمثيلا عن أنفسهم و تلميعا لمكانة سياسية ما كانت لتكون لولا ذلك المواطن البسيط الذي أنتخبهم بقناعة او بغيرها.
يحتاج الحوار إذا للمسة وطنية عميقة تطبع لحظته و تجعله فعلا حاضنا للتنمية و معبرا عن تطلعات الشعب بأدق تفاصيلها.
و ليس فقط مجرد لقاءات سياسية؛ تطبعها المجاملات و الدبلوماسية الحزبية؛ لتخلق توافقا نسبيا برهانات سرعان ما نسفتها المواقف السياسية المتلونة بتلون المصالح و الأمزجة و المتغيرة بتغير الزمان و المكان.
فليكن حاضرا بأذهانكم أيها المتحاورون المحترمون ذلك المواطن البسيط الذي يحتاج لتفسير كلمة الحوار باللهجة المحلية ثم ترجمتها له واقعا يحسن من حالته المعيشية و يتيح له فرصة متساوية مع الآخر لولوج العمل و المساهمة في بناء وطنه بشفافية و عدالة.