على مدار الساعة

كيف نفهم تطور الأحداث المتنقلة؟؟! / التراد بن سيدي

09/30/2021 - 13:21

لقد استمرت علاقات الشعب الموريتاني مع الإدارة المحلية والجهوية والقيادة المركزية منذ الأستقلال غير حميمية تشبه ما كانت عليه علاقاته باالإدارة الأجنبية علاقات طابعها الشك والتحفظ من طرف الشعب والأستغلال والاحتقار من جانب الإدارة وأدواتها من حرس ودرك في البداية وشرطة في مرحلة متأخرة !!!

لقد كان الشعب الموريتاني المتمسك بدينه وقيمه الصحراوية بقوة، شديد العداء والنفور من الأستعمار الذي استمر يقاومه على كل الصعد وعلى الصعيد الثقافي بشكل خاص فلم يقبل للمستعمر التوسع في التمدرس وتعميم تعليم لغته وتعميم ثقافته..
وبادل الاستعمار الموريتانيين كرها بكره وعداء بعداء وتجلى عداؤه في عدد من المسائل:
أولا: تعمد الاستعمار قبول عدم التوسع في التعليم رغم تمكنه من شيوخ القبائل وقدرته على استخدامهم في فرض إرادته، فلم يبذل جهدا كبيرا للتوسع في إقامة المدارس في مناطق العرب "البظان".!!

ثانيا:تعمد عدم العمل الجدي والفعال لإنهاء الرق الذي تم إلغائه بقرار دولي وكانت فرنسا التي عرفت قبل ذلك بشدة النشاط في خطف مواطني الشواطئ وتعبيدهم وبيعهم في العالم الجديد( القارة الإمريكية) طرفا في وضع القرار وتطبيقه فتعمدت عدم العمل المناسب لإزالة الرق في بلدنا و كانت من القوة والتحكم بالشيوخ والأمراء بحيث لو أرادت إنهاء الرق بصدق لتم لها ذلك دون صعوبة تذكر كما حصل في جميع الدول والمستعمرات لقد أظهرت بعض المواقف التي توحي بدعمها إنهاء الرق كدعم جانبور ومواقف أخرى شكلية لم تتسم- يوما - بالفعالية!!..

ثالثا: بدأ الأحتلال الفرنسي لبلادنا سنة١٩٠٣ وكانت بلادنا في ذلك الوقت تتمتع بطبيعة رائعة تكسوها الغابات والأودية في أكثرية التراب الوطني و فيها من الوحوش والحيوانات البرية وأشكال الطيور ما لايوجد مثله في مكان آخر في القارة الإفريقية فلم تبذل فرنسا التي تعرف قيمة هذه الثروة الطبيعية والتي تحميها في بلادها وبلدان أخرى الجهد المناسب لحمايتها لقد حكى لي وكان معي الزميل عبد الله السباعي، هارون بن الشيخ سيديا سنة ١٩٧٨ في بوتلميت أن قدوم فرنسا ١٩٠٣كانت منطقة بوتلميت غابة يستطيع فيها المرؤ المسك بغزال دون أن يراه بسبب كثافة الأشجار وقال أن الفرنسيين أرغمو السكان على قطع الأشجار حتى يمكنهم السير بين مساكنهم والمكان الذي جعلوا فيه مكاتبهم!!
لقد تعمد الفرنسيون ترك السكان يحطمون هذه الطبيعة ويبيدون الوحوش والحيوانات البرية والطيور بل إنهم سهلوا عملية إبادة الوحوش والطيور بتوفير بنادق حديثة أكثر فعالية مما كان لدى الموريتانيين وكان لهذه الأسلحة أكبر الأثر فيما جرى لطبيعتنا الخلابة ومخلوقاتها الجميلة !!!
لقد أعلنت فرنسا أنها تسعى للتوسع في التعليم ولم تهتم به إلا بضفاف نهر السينغال وادعت أنها ضد الرق ولم تحاربه عندنا حربا ينهيه وظلوا يرون شقاء العبيد وبؤسهم وكانوا راضين غير مبالين و بهذا أبقو المشكلة دون حل !!

وادعو حماية الطبيعة وأنشؤوا مصالح مكلفة بهذه الحماية وفي الوقت نفسه تركوا التدمير للطبيعة يجري بلا رحمة تحت سمعهم وبصرهم هذا الوضع الذي كانت فيه فرنسا تستعمرنا وتضع الأشواك داخل جسمنا حتى إذا أرادت تركنا تركت لنا قنابل موقوتة تتفجر في من يخلفها في أوقات وآجال مختلفة!!

لقد ظل حكام البلد بعد رحيل الأستعمار يُسيرون إرث المستعمر بمجتمع غير منسجم "وبعقلية السيبة" بشيوخ وأمراء قبليين يحمون ويحافظون على تراتبية اجتماعية راسخة تؤبد العبودية والدونية ضمن التراتبية الأجتماعية الموروثة عن الماضي وتشبه في تخلفها عقلية إنسان الكهف !! فحكمت السلطة هذا النظام الأجتماعي السديمي الذي لم يحاول مصلح أو عالم أو عاقل نقده أو تصحيحه منذ وَضَعَهُ أهل بادية متنقلون في صحرائهم المعزولة وفي أواخر الستينات بدأ الشباب من معلمين وتلاميذ
يرفعون الصوت اعتراضا على اللغة الفرنسية أولا و على متابعة سياسة الغرب الاستعماري ثانيا ثم مع تطور الأحداث وتطور العقليات بدأ طرح المشاكل البنيوية للمجتمع ومشاكل الطبقات وتم تحديد الرق كظاهرة يلزم إنهاءها وطالب بإنهاء تقسيم المجتمع إلى شرفاء ونبلاء ومستويات منحطة وإنهاء كلما يمس جوهر المساواة والتكافئ مع تفاوت وعي الشباب و وضوح رؤيتهم إلا أنهم جميعا بدؤوا بشكل أو آخر يَعُونَ خطورة الوضع، لكن السلطات الحاكمة لم تتحرك ولم تهتم بما يجري في المجتمع إلا بعد أن بدأ نشاط "أخوك الحرطاني" في أواخر السبعينات وبدفع قوي من القوة التقدمية في البلد بدأت خطوات وئيدة مترددة تضمنت فتوى من العلماء غامضة غير مكتملة تم بنتيجتها وضع قانون إنهاء الرق دون اقتران ذلك بعمل واضح وجريئ يتضمن خطوات قادرة على معالجة وضع عميق و واسع ومعقد مترسخ ومتعدد الجوانب لقد ظلت الحكومات غير مدركة لضرورة معالجة مخلفات الرق ووضع حلول للتفاوت في الوسائل وعدم المساواة الاجتماعية، وفي نفس الوقت ظل الوعي لدى الضحايا السابقين للرق والضحايا الحاليين لعدم المساواة الاجتماعية وفي الوسائل والفرص ينمو وعيهم بضرورة نيلهم لحقهم كاملا ووعيهم وإحساسهم بالألم من التفاوت الأجتماعي الذي لامبرر له وضعف أداء السلطات والقوة السياسية اتجاه هذا الواقع لقد بدأ الوعي بضرورة التغيير يتحول إلى هم يتسع الشعور به داخل شريحة العرب السمر كلها(لحراطين) وبدأ البعض يدعوا للعمل بعد أن أعياهم المطالبة اللفظية وكثر المنظرون والقيادات وبدأت أجيال جديدة ليست لها الخبرة والتجربة والحكمة التي تتسم بها قيادة الأجيال السابقة لنضال الحرية وطلب الأنعتاق!!

كل هذا الذي جرى ويجري مر دون أن تعيه الحكومات النائمة والمنومة بالتقارير الغبية والكاذبة التي تستهين بمشكلة الحالة الاجتماعية غير الطبيعية التي من نتائجها تقسيم المجتمع وكل هذه التطورات تجري ومجتمع العرب الأوضح ألوانا "البظان" يغط في نوم عميق لا يشعر بخطر ولا يرى ضرورة للتغيير ويحلم باستمرار تراتبية فاسدة عفى عليها الزمن واصبحت غير قابلة للأستمرار ، لقد ظل مجتمع العرب الأوضح ألوانا" البظان" يرى بمثقفيه وعلمائه وبسطائه أن الأمور بخير وأنه لن يكون أفضل مما كان وأن كل كلام حول ضرورة التغيير والمساواة كلام متطرفين وأعداء للوطن ويرون أن ليس هناك ظلم وليس هناك غبن وليس هناك تمايز ولا تفاوت كل شيء تمام كل شيء على مايرام !!!!
هذه أفكار المجتمع التي منعته من رؤية الواقع على حقيقته وهي الأفكار التي رسخها المجتمع الجاهل لدى السلطات فصارت ترقع وتعالج هنا وهناك بدل عمل شامل واضح محدد الأهداف يوقف التدهور ويبدؤ رحلة الألف ميل لتسوية مشاكل يتوقف بقاؤنا على تسويتها..

إن الذي لابد من إدراكه اليوم هو أن ماجرى في باسكنو وعدل بغرو وتنبدغه وجغني وكبنى والطينطان واركيز وماجرى من تدهور للحالة الأمنية في كيهدي والنعمة وانواكشوط وانواذيبو كلها أمور يربط بينها حالة الهشاشة الأجتماعية والفقر وعدم الأمل لدى غالبية السكان إن فساد إدارتنا الجهوية وجزء من إداراتنا المركزية وسوء تصرف المسؤولين عن الخدمات في البلاد كلها أفقدت الفقراء الأمل في تغيير وضعيتهم وسهل عليهم فعل أي شيء بما فيه الأشياء التي قد لا تخطر لأحد على بال!!

وبهذا نحن سائرون بسرعة نحو الهاوية - لاقدر الله- إذا لم نقف الوقفة الصحيحة وندرس بتمعن واقعنا والمخاطر التي تحيط بنا ونضع حلولا عقلانية لمشاكلنا الرئيسية ونعتبر كل هذا الذي كنا نقوم به لتسوية المشكلات أعمالا بسيطة ترقيعية لاتغني عن وضع خطط علاج استراتيجية ونوحد صفوفنا ونبث الوعي بالحقائق ونعبئ جماهير الشعب للمشاركة في وقف التدهور وتصحيح الوضع ..هذا مازال ممكنا الآن لكننا لا نعتقد أنه سيستمر ممكنا إذا ازداد الوضع تدهورا وهو سيستمر يتدهور مالم يطرأ تغير كبير في سياساتنا ((إِنَّ الله لاَ يُغَيِر مَا بِقُومٍ حَتَّى يُغَيِرُوا مَا بِانْفُسِهِمْ)) أصلح الله حالنا "موريتانيا" وأرشد وسدد أهلنا!!!