على مدار الساعة

المهرج والإنسان العادي: صراع بين القيم والمصالح / الشيخ ولد المامي

02/11/2025 - 09:49

تحدثت مصادر عن حصول أحد من يوصفون ب"المهرجين" على مبلغ 7 ملايين أوقية خلال حضوره مناسبة اجتماعية في نهاية الأسبوع الماضي..

 

وخلال لقاء موثق على إحدى المنصات صرح أحد هؤلاء أن ثروته تجاوزت 350 مليون أوقية، وهو أمر مستغرب من مجتمع مازال يصف من لا يروق له سلوكه بأنه مهرج..

 

العجيب هو أن نفس الذين ينتقدون سلوك هؤلاء المهرجين، هم أنفسهم من يمنحونهم المال مقابل "التمجاد"..!

 

السؤال المطروح هنا هو، إذا كنتم من تستعيذون من سلوكهم فلماذا تشاركون في صناعتهم..؟

 

والتساؤل الأهم، هو أي الفريقين على صواب..؟

 

إن مجتمعاتنا تعاني حالة من التناقض بين من ينجح بأسلوب سهل وغير مألوف، ومن يعمل بجد لكنه بالكاد يؤمّن احتياجاته. 

 

يظهر المهرج، الذي يجني الملايين من الكلمات البسيطة، ويظهر الإنسان العادي، الذي يكدّ ويتعب لكنه ينتقد المهرج باستمرار، مع أن ظروفهما المادية متقاربة. 

 

فما سبب هذا النقد؟ ولماذا لا يستطيع الإنسان العادي محاكاة المهرج؟

 

1. المهرج يحقق أهدافه، بينما الإنسان العادي يضيع وقته في النقد..

 

المهرج يعرف ما يريده: يجمع المال من المديح والكلام البسيط، دون أن يضيع وقته في الاهتمام بآراء الآخرين..

 

الإنسان العادي، بدلاً من التركيز على تحسين وضعه، ينشغل بانتقاد المهرج، وكأنه يفرغ غضبه من عجزه الشخصي على شخص نجح بأسلوب مختلف.

 

2. طرق كسب المال: الجميع يستغل الظروف لكن بأساليب مختلفة..

 

المهرج يمنح مديحًا مقابل مال غير محدد، أي أن الناس يدفعون له بمحض إرادتهم، وبالكم الذي يريدون.

 

الإنسان العادي، حتى لو بدا محترمًا، يمارس أساليب استغلالية مقبولة اجتماعيًا: 

 

الطبيب الذي يرفع أسعاره بلا مبرر.

 

التاجر الذي يحتكر السلع ويزور البضائع، ويرفع الأسعار لزيادة أرباحه.

 

المدرس الذي يهمل طلابه ليجبرهم على الدروس الخصوصية.

 

رجل الأمن الذي يستغل سلطته لأخذ الرشاوى.

 

الفرق الوحيد: هو أن المهرج واضح في أسلوبه، بينما الإنسان العادي يبرر استغلاله بقناع الفضيلة.

 

3. الإنسان العادي يتمنى أن يكون مثل المهرج لكنه يخشى كلام الناس.

 

كثيرون يتمنون تحقيق المال بسهولة مثل المهرج، لكنهم يخشون فقدان "القيمة الاجتماعية" أو الاحترام في نظر المجتمع.

 

المهرج متصالح مع نفسه: يعرف أن الناس ينتقدونه لكن لا يهتم، فهو يحقق هدفه.

 

الإنسان العادي يعيش صراعًا داخليًا: يريد المال السهل لكنه يرفض التضحية بصورته الاجتماعية.

 

4. لماذا يُنتقد المهرج؟ لأنه يعكس عجز الآخرين عن فعل ما يفعله.

 

النقد ليس دائمًا دليل وعي، أحيانًا يكون مجرد غطاء للعجز.

 

المشكلة الحقيقية ليست في المهرج، بل في أن الآخرين لا يستطيعون أن يكونوا مكانه.

 

المجتمع لا يكافئ الجهد بقدر ما يكافئ الذكاء في فهم قواعد اللعبة.

 

الخلاصة

المهرج ليس المشكلة، بل الصراع الداخلي الذي يعيشه الإنسان العادي بين الرغبة في المال والخوف من نظرة المجتمع. 

 

المهرج قرر أن يسلك طريقًا واضحًا دون مواربة، بينما الإنسان العادي يختبئ وراء قناع الاحترام، رغم أنه يمارس أشكالًا أخرى من الاستغلال أقل احتراما من التهريج. 

 

في النهاية، العالم لا يرحم المترددين، بل يكافئ من يعرف قواعد اللعبة ويلعبها بذكاء.