![](https://esstebin.info/sites/default/files/b720537c-b8f5-4a1a-9ce2-35230dcd1697_0_0.jpg)
سياق إجماع قاري
جاء انتخاب موريتانيا لرئاسة الإتحاد الأفريقي في دورته 2024 كإنجاز جديد للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وللدبلوماسية الرئاسية الموريتانية وتتويجا لجهوده الكبيرة في إطار إعادة صياغة العلاقات الموريتانية - الإفريقية، واستعادة الدور والمكانة الموريتانية بإفريقيا، رغم صعوبة الرهان واتساع مساحات القلاقل والاضطرابات الأمنية والسياسية على عموم مساحة القارة.
وقد عزز هذا الاختيار الموقف الحيادي لموريتانيا والنظرة العامة لدى القادة الأفارقة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كقائد عملي ومتوازن، معروف بحسه القيادي، واعتداله ودبلوماسيته، واهتمامه بالقضايا الكبرى.
اذا كانت رئاسة موريتانيا للإتحاد الإفريقي مثلت بحق فرصة فريدة لإظهار قدرتها على التأثير في القرارات الحاسمة لمستقبل القارة فإنها في المقابل لم تسلم من انتقادات حتى قبل نهايتها فبدا ان هناك دولا لا يراد لها ان تكون مؤثرة مهما كانت جهودها فكانت حملة التشويه ابتداء بموضوع محاربة الرق ومخلفاته ثم امتدت الى دور البلاد في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل بأساليب مكشوفة الاغراض والأهداف لإفشال مهمة الرئاسة الموريتانية بعدما حققته من مكاسب غير مسبوقة للقارة.
تحديات واكراهات
لم تكن الطريق وردية امام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لرئاسة للاتحاد الافريقي بل كانت وضعية القارة صعبة، فقد انقسمت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) بعد إعلان انسحاب ثلاثة أنظمة عسكرية - النيجر ومالي وبوركينا فاسو - من هيئاتها. وفي منطقة البحيرات العظمى، تهدد الحرب في الكونغو بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية استقرار المنطقة، بينما تستمر الحرب الأهلية في السودان في تقويض البلاد التي ضعفت بالفعل بسبب عشرين عامًا من الصراعات الداخلية. وتزيد قضايا أخرى، مثل التوترات حول الوصول إلى البحر الاحمر بين إثيوبيا والصومال ويزيد الوضع الهش في ليبيا من تعقيد المشهد الجيوسياسي.
في هذا السياق، لعبت موريتانيا دورا براغماتياً فعالا مكنها من جمع الأطراف المتعارضة حول طاولة المفاوضات.
رئاسة نشطة ومثمرة
بدأ الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني العمل على قضايا حساسة بشكل خاص، تميزت بخلافات عميقة بين بعض الدول الأعضاء والتي فضل العديد من نظرائه تجنبها. من بين هذه القضايا، المسألة الشائكة المتعلقة بانتخاب القيادة العليا للمفوضية، التي كانت معلقة منذ عام 2018 ومصدرًا للعرقلة داخل المؤسسة، قد تم حلها أخيرًا. كما أنه قام بحل قضية معقدة وحاسمة أخرى: تتمثل في تدقيق الكفاءات وتقييم المؤهلات (SACA)، التي ظلت محل خلاف منذ سنوات
لقد أظهر الرئيس شجاعة ملموسة من خلال التصدي لأكثر النزاعات حساسية في القارة، مثل الأزمة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والحرب الأهلية في ليبيا، والنزاع حول موارد النيل.
فمنذ بداية ولايته، استقبل ممثلين من كيغالي وكينشاسا وبدأ بحوار في ليبيا، وقد تمكن، خلال زيارة حديثة إلى طرابلس، من دفع المفاوضات نحو ميثاق للمصالحة الوطنية، مما عزز من آفاق الاستقرار. وقد تمت جميع هذه الجهود في احترام صارم لقواعد العمل الدبلوماسي في الاتحاد الأفريقي، لا سيما في إطار عملية لواندا، وIGAD، واللجنة العليا المخصصة لليبيا."
دوليا نجح الرئيس في حمل صوت إفريقيا خلال المنتديات الدولية. متناولاً قضايا حاسمة مثل مسألة الدين، وإصلاح المؤسسات المالية الدولية، وتغير المناخ، وحق أفريقيا في مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
و خلال قمة البريكس في أكتوبر 2024 في قازان، دعت نواكشوط إلى آليات تمويل البنية التحتية الأفريقية، وهي خطوة نالت إشادة من عدة دول.
في نوفمبر خلال القمة العربية الإسلامية في الرياض، دعا الرئيس إلى استجابة جماعية لمواجهة الأزمات الإقليمية، مما يدل على طموح أفريقيا للعب دور أكثر تأثيراً في المفاوضات الدولية الكبرى. وشهدت ولايته إنضمام الاتحاد الأفريقي الى مجموعة العشرين.
خلال سنة رئاسته لم يفوت الرئيس أي موعد كبير حيث يمكنه أن يسمع صوت القارة: قمة مجموعة السبع، قمة كوريا-أفريقيا، منتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك)، الجمعية العامة للأمم المتحدة، قمة المستقبل، بريكس+، مؤتمر المناخ، وغيره.
وكخلاصة لقد سمحت الرئاسة الموريتانية للاتحاد الإفريقي بتجاوز العديد من العقبات التي كانت تعيق سير عمل المؤسسة بشكل جيد. وقد واجهت صراعات داخلية بعزيمة ورفعت صوت إفريقيا عالياً على الساحة الدولية، من خلال التأكيد على القضايا الرئيسية مثل إصلاح الحوكمة العالمية.
عموما وبكل المقاييس فإن الحصيلة السنوية لرئاسة الاتحاد الأفريقي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ستدرج بالفعل في تاريخ المنظمة، رغم كل ما قيل ويقال.