على مدار الساعة

القبيلة والمواطنة: أيهما أولى بالاهتمام؟ / الشيخ سيد أحمد ولد حيدا

02/05/2025 - 09:15

في زمن التحولات الكبرى، لم يعد الانتماء القبلي يشكّل مرتكزًا للهوية بقدر ما أضحى إرثًا تقليديًا متجاوزًا، يتراجع دوره أمام واقع جديد تفرضه العولمة والحداثة. فاليوم، لم يعد الفرد معزولًا في إطار قبيلته، بل أضحى منخرطًا في ديناميات وطنية وعالمية تتطلب أسسًا أعمق للتماسك الاجتماعي.
 
ورغم انحسار الوظيفة الاجتماعية التقليدية للقبيلة، فإنها ما تزال تُستدعى، لا كحامل ثقافي مشروع، بل كأداة لإعادة إنتاج الولاءات الضيقة، وتأجيج الانقسامات الاجتماعية، وإدامة التفاوت الطبقي.
 لقد أدركت السلطة أهمية هذه البنية كأداة ضبط، فوظّفتها للحفاظ على توازناتها، في تناقض صارخ مع مشروع الدولة الحديثة الذي يفترض سيادة المواطنة على أي انتماء آخر.

في المقابل، أفرزت المدينة الحديثة فضاءً اجتماعيًا مختلفًا، تتلاشى فيه الحدود القبلية أمام قيم مدنية تضمن المساواة في الحقوق والواجبات، وتصنع نسيجًا وطنيًا أكثر شمولًا.

 إن الاستمرار في التعويل على القبلية يعيد إنتاج الاستقطاب والتنازع، بينما يقتضي بناء الدولة الحديثة ترسيخ المواطنة كقاعدة للاستقرار والتنمية.

إن تجاوز الولاءات الضيقة والانخراط في مشروع وطني قائم على الحقوق والواجبات المتساوية هو السبيل الوحيد لصياغة هوية وطنية جامعة، قادرة على مواجهة تحديات العصر. فالدولة التي تكرّس المواطنة تُبنى على التلاحم الاجتماعي والعدالة، لا على الاستقطاب والانقسام، وهذا هو الرهان الحقيقي للمستقبل.