على مدار الساعة

هل وصلت الرسالة؟ / عبد الفتاح ولد اعبيدنا

02/03/2025 - 16:37

بادرت النيابة للمطالبة بإيداع المعتدى وبادر لاحقا قاضى التحقيق بتأكيد طلب النيابة، وربما هذه الرسالة الأساسية من طرف الدولة الموريتانية والقضاء الموريتاني أن أي مستغل للعنف ضد الصحفيين، مصيره العقاب المستحق، وأن لا سبيل للرد على الأعمال الصحفية، سوى حق الرد للمتضرر أو التوجه للمرفق القضائي، أما أن ينزل للشارع ويحاول إشفاء غليله بالسبل الهمجية، فذلك مرفوض بتاتا.

 

ما من أحد يتمنى السجن ومصادرة الحرية لأي إنسان، لكن لو لم يقع هذا الإجراء، لكان حدث الاعتداء على هذا الصحفي، إيذانا بإضعاف السلطة الإعلامية، وربما تمهيدا للقضاء الكلي عليها، لكن الدولة ملتزمة، رسميا وقضائيا، بحماية المهنة الصحفية، وتعتبر من أهم أركان المشروع الديمقراطي عندنا وفى العالم أجمع.

 

قد لا تكون هذه نهاية هذه الحادثة، بقدر ما هي بداية المشوار القضائي، وربما أيضا بداية تفعيل مسار الوساطات الأسرية. والمهم بالدرجة الأولى أن القضاء أغلق الباب أمام تصفية الحسابات ضد الصحفيين عبر الأساليب البائدة!.

 

منذ فاتح شعبان 1446 المقابل 31/1/2025 بدأت الأصوات الممجدة للعنف تختفى تدريجيا، بعد إحالة المعتدى للحبس، فلا مجال للعنف ضد أي صحفي، والمسار الوحيد في التعامل مع النشر، هو حق الرد أو الشكوى لدى القضاء، وأما الفوضى العارمة، التي أراد البعض تدشينها، عبر هذه الحادثة الهمجية فغير مقبولة، عبر قراءة رسالة القضاء غير المشفرة.

 

إن بعض التحركات مهما كان هدفها المعلن قد لا تخدم حماية حرية الصحافة ولا احترام هيبة الدولة، وهذه القضية محلها الأول هو القضاء، وبعد القضاء المنظمات النقابية الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني، لأنها حصلت أمام مقر إعلامي وضد صحفي، لم يدخل المهنة طبعا، باسمه العائلي البتة.

 

وعلى كل حال لم تكن هذه الحادثة غامضة، فهي مجرد اعتداء همجي ضد صحفي أمام مقر عمله، والمعتدى لم ينكر حسب مصادر المعلومات المتضافرة، وإن تجرأ على الإنكار، فتوثيق الكاميرات والشهود، لا يمكن معه الإنكار مطلقا.

 

وجدت السلطات الأمنية والقضائية هذه المعطيات أمامها مكتملة، فترتب عليها اتهام المدعو زين العابدين ولد صدافه تلقائيا، وتمت إحالته للسجن، ربما في انتظار محاكمته.

 

وينبغي أن يعلم الجميع أن الصحافة لم توجد للصدام مع المجتمع ولا الدولة، وإنما للخدمة والبناء الوطني الإيجابي، وضرورة الإصلاح تستدعى النقد والتوجيه.

 

والكشف عن حقائق وملفات الفساد، قد يراه البعض إضرارا واستهدافا، والغريب في الأمر أن البعض يحصل على المال العمومي بسهولة ويتصرف فيه بقمة أساليب الفساد، ومع ذلك لا يقبل النقد الإعلامي ولا يقبل التحقيقات الأمنية ولا يصبر للمحاكمات ونتائجها، من عقاب أحيانا، وفي الحقيقة هذه دولة وليست قبيلة، لتبقى دائرة النفوذ في نطاق ضيق محصور.

 

ولا شك أن محاولات البعض للترويج بنفوذ بعض القبائل غير دقيق على الأقل، ومحاولة للتشكيك المكشوف في الدولة، فالمعتدي معتد فحسب، ولا تمييز في هذا الصدد، ونحن مهما قيل عن نواقص تجربتنا العمومية، فنحن في دولة لا تنحاز للمعتدي، خصوصا ضد الإعلام والإعلاميين.

 

أجل القضاء الموريتاني رد بعض الاعتبار لهذه المهنة المستهدفة، وللأسف نلاحظ منذ بداية المأمورية الثانية انشغال الجميع بالإعلام، ما بين السجن والإقالات المتكررة والضرب والمحاكمات، فلماذا لا يقدم البعض ردوده الشافية بدل اللجوء المستمر للقضاء، في شأن بعض ملفات النشر، رغم أن المحاكمات وآثارها، أقل ضررا من الاعتداءات اللفظية والجسدية ضد الصحفيين، وينبغي أن يعلم الجميع أن التحاكم للقوانين والقضاء، أكثر أمانا وأدعى للاستقرار من لغة التفلت والانفعال.