بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة، السيد المدعي العام، السادة المحامون ، أيتها السيدات والسادة.
أصبح ولله الحمد للمتهم الرئيسي، أعنى القائد المستميت والمحارب البطل على الفساد والمفسدين، رئيس الفقراء الذي أفقرهم، وِردًا يستفتح به كل ردوده المنحرفة عن أسئلة المحكمة بصورة مضطردة.
هنيئا لك على هذا الورد لأنه من المسلم به أن من لا وِرد له لا وَارد له.
ويتمثل هذا الورد كما رأينا في دعائه الذي يستعيذ بالله فيه من ظلم الظالمين وكيد الكائدين وحسد الحاسدين.
جاء في الأثر أن الله سبحانه وتعالى أوحى الى داوود عليه السلام: قل للظلمة لا يدعوني فاني اوجبت على نفسي أن أجيب من دعاني. واني إذا اجبت الظالمين لعنتهم.
سأل ذات يوم بعض المريدين إبراهيم بن أدهم رحمه الله فقالو: ما بالنا ندعو الله فلا يستجيب لنا؟
فقال لأنكم عرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته وعرفتم القرآن فلم تعملوا به وأكلتم نعمة الله فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها وعرفتم النار فلم ترهبوا منها وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه وعرفتم الموت فلم تستعدوا لها ودفنتم الأموات فلم تعتبروا بهم وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس.
نعم إن الدعاء مخ العبادة وهو سيف المظلوم يدافع ويقاتل به أعداءه من شياطين الانس والجن لكن، حتى يكون الدعاء مجابا فلا بد أن تعرف وتستكمل شروطه، التي من أهمها التوبة و الندم على ما تم اقترافه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: التوبة الندم .
وعلامة الندم رقة القلب وغزارة الدمع ، لذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: جالسوا التوابين فانهم أرق أفئدة، و من شروط التوبة ترك الزلات في جميع الحالات والساعات، بل في جميع الأنفاس واللحظات، و العزم على ألا يعود الى مثل ما اقترف من المعاصي والخطيئات كما قال أهل التمكين مثل قول أبي بكر الواسطي حين سئل عن التوبة النصوح فقال: أن لا يبقى على صاحبها أثرمن المعصية سرا ولا جهرا.
ويقول بعض العارفين : إذا رأيت التغيير والتضييق في المعيشة والتعسر في الرزق وتشعب الحال فأعلم أنك تارك لأمر مولاك تابع لهواك.
وإذا رأيت الأيدي تسلطت عليك والألسن وتناولتك الظلمة في النفس والأهل والمال والولد وحيل بينك وبينهم بالسجن فأعلم أنك مرتكب للمناهي ومانع للحقوق ومتجاوز للحد ومخترق للرسوم.
وإذا رأيت الهموم والغموم والكروب في القلب قد تراكمت عليك فأعلم أنك معترض على الرب فيما قدر عليك وقضى لك، متهم له في وعده ومشرك به خلقه في أمره غير واثق به ولا أنت راض بتدبيره فيك وفي خلقه. و الظلم اصطلاحا ولغة هو وضع الشيء في غير موضعه المخصص له ، بنقصان، أو بزيادة، أو بعدول عن وقته أو مكانه، فهو التعدي عن الحق الى الباطل ، وهو الجور أي التصرف في مال الغير والشعب ومجاوزة الحد في ذلك.
و عندما نستحضر ما تم حجزه حتى الآن من ثروتك الصاروخية، التائهة المجنونة والقذرة واصرارك على طمس وانكار حقيقتها يتضح أن ارادتك بعيدة جدا عن الشعور بالذنب، بعيدة عن الندم وبعيدة عن التوبة النصوح .
يقول الله عز وجل في سورة يوسف: {ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ}.
فأنى يستجاب للمتهم الرئيسي وحاله كما قلنا ، ممتنع عن رد المظالم إلى أهلها وعن الندم على ما اقترف ؟! جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ما من أمير على عشرة الا يؤتى به مغلول اليدين يوم القيامة حتى يفكه عدله أو يوبقه جوره أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجاء في الحديث الشريف أيضا: أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام جائر. وجاء أيضا في الحديث الشريف: أشد الناس عذابا يوم القيامة من أشركه الله تعالى في سلطانه فجار في حكمه. وجاء أيضا في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ربك جل وعلا "وعزتي وجلالي لانتقمن من الظالم في عاجله وآجله ، ولأنتقمن ممن رأى مظلوما فقدر على ان ينصره فلم يفعل ".
استعاذ المتهم الرئيسي أيضا من الظلم ولم يميز في ذلك بينما إذا كان يستعيذ من ظلمه هو للآخرين أم شيء آخر ، و دون أن يستحضر الحديث النبوي الشريف " اللهم إني أعوذ بك من أن أظلِم أو أٌظلم" ، ذلك أنه من أسباب الاستجابة كما أسلفنا أن يبدأ الداعي بنفسه ويستعيذ بالله من ظلمه للآخرين ، أما ظلم الآخرين له فقد يحتسبه ويصبر عليه وذلك أقرب للمودة والمروءة ، كما جاء في التنزيل الحكيم ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ ، ولنا أن نقيس على هذا استعاذة المتهم الرئيسي من كيد الكائدين وحسد الحاسدين التي لم يستحضر فيها حسده وكيده وظلمه للآخرين !! ، وهنا يجب التساؤل عن من هو الحسود الحقيقي ؟
اعلم أيها المتهم الرئيسي أن الحسد خلق ذميم مضر بالبدن مفسد للدين، كما قال علي كرم الله وجهه " قاتل الله الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله "، جاء في التنزيل الحكيم "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسَد". و روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: دب إليكم داء الأمم قبلكم، البغضاء والحسد هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أنبئكم بأمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم ، فالسلام إذن بالإضافة إلى كونه ينفي الحسد يجسد حسن الأخلاق التي تعتبر ركيزة من ركائز الدين كما قال صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ، فمن هو الخلوق من رؤسائنا ، ومن منهم كان يصعر خده للناس بدون خجل ولا وجل؟ من من رؤسائنا كان يرفض مجرد إلقاء السلام حتى على زواره ويتلاهى دون بشر بالحاسبة والحاسوب حتى لا يرد السلام؟ من من رؤسائنا كان يتجاهل الكبير والصغير، الشريف والذميم، القوي والضعيف؟ من منهم أكل المال العام أكلاً لمًا فأستغنى فطغى فبغى؟
من مظاهر الحسد التحسر على الخير، ينال الناس الأفاضل وهو غير المنافسة التي هي طلب التشبه بالأفاضل من غير إدخال ضرر عليهم، أما الحسد فهو مصروف الى الضرر لأن غايته أن يعدم الأفاضل فضلهم من غير أن يصير الفضل له. وبهذا تكون المنافسة فضيلة لأنها داعية الى اكتساب الفضائل والاقتداء بأخيار الافاضل خلافا للحسد ، وقد روي في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: المؤمن يغبط والمنافق يحسد.
اعلم أيها المتهم الرئيسي أن علامات الحسد ثلاثة :
** بغض المحسود فيؤسى عليه بفضيلة تظهر او منقبة تشكر فيثير حسدا قد خامر بغضا
** أن يظهر على المحسود فضل يعجز عنه الحاسد فيكره تقدم المحسود فيه وإخصاصه به
** أن يكون في الحاسد شح بالفضائل وبخل بالنعم، وليست إليه فيمنع منها ، ولا بيده فيدفع عنها لأنها مواهب قد منحها الله من شاء فيسخط الحاسد علي الله جل وعلى في قضائه ويحسد على ما منح الله من عطائه وإن كانت نعم الله عنده أكثر ومنحه عليه أظهر. وهذا النوع هو أخبث أنواع الحسد إذ ليس لصاحبه راحة ولا لرضاه غاية.
من من رؤسائنا كان إذا رأى نعمة ظاهرة على فرد منا يستشيط غضبا ويسلبها منه ويوقعه في السجن من غير عدل ولا إنصاف؟ من من رؤسائنا تحكى الحكايات والأساطير حول بخله وشحه؟
من من رؤسائنا كان شديد الشكيمة على المواطنين، فظ الأخلاق يستخف بهذا وإن كان من المعاونين المقربين ويقلل من شأن زملائه الجنرالات ويصفهم بأقذع العبارات ويسخر من رؤساء الأحزاب السياسية وإن كانوا من أهل الفضل والعلم ومن أسن الناس في العمر.
من من رؤسائنا كان يوقد الفتنة والصراع الهمجي مع أبناء عمومته فيلحق بهم الضرر الظاهر ويطاردهم أينما حلوا وارتحلوا ؟
وكان من لطف الله سبحانه وتعالى أن أظهر للنبهاء من خلقه آياتٍ تختص بالحاسد حتى يعرف : كثرة الحسرات النفسية وسِقامُ الجسد المزمنة، انخفاض المنزلة وانحطاط الرتبة لانحراف الناس عنه ونفورهم منه ، ثم مقت الناس له حتى لا يجد فيهم محبًا وعداوتهم له حتى لا يرى فيهم ولياً فيصير بالعداوة مأثوراً وبالمقت مزجورًا. وفي هذ المعنى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: شر الناس من يبغض الناس ويبغضونه.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة، السيد المدعي العام، السادة المحامون
أيتها السيدات والسادة.
ذكر المتهم الرئيسي أمامكم حادثة اطويلة و ما ألحقت به من أضرار بدنية ما زالت آثارها تعيق صحته ، شفاه الله من كل بأس ، وهي مناسبة لن تفوتني حتي أذكر ببعض المعطيات الهامة بهذا الخصوص.
لن اتطرق اليوم كما يتوقع البعض ،لنفي الشائعات أو تأكيد الرسميات بشان ما حدث وما راج من احاديث و مزايدات ما زالت تثير اهتمام الرأي العام الوطني حول هذه المسألة بسبب الغموض و عدم الشفافية في التحقيقات التي أجريت والتي لا يري البعض انها رقيت الي درجة خطورة الموضوع المتعلق أصلا، بحياة رئيس الجمهورية آنذاك، ولكنني أذكر المتهم الرئيسي أنه أصيب بطلقة او طلقات نارية كادت تودي بحياته مما أدى إلى حمله على وجه الاستعجال الي المستشفى العسكري ، وكان اول من التحق به هنالك و وجده على سرير الموت هو صديقه القائد العام للجيوش آنذاك ورئيس الجمهورية الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني. وأنت أيها المتهم الرئيسي وحدك من يعلم أن الرجل محمود الأخلاق، مرضي الأفعال، مؤثرا للخير آمرا به، كارها للشر، ناهيا عنه... ولأول وهلة، وهو النبيه المجرب، أخذ من التدابير الأمنية ما يؤمن به، بعون الله وقدرته، نظامك وعندما تفاقمت خطورة حالتك الصحية وأصبح من الواجب رفعك الي فرنسا كان هذا الرجل والصديق الحنون هو آخر من ودعك عند سلم الطائرة ودعي لك بالخير والشفاء والصحة. ومن تلك اللحظة اخذ علي نفسه مسؤولية حفظ بيضة حكمك. وفي وقت وجيز تعالت أصوات المعارضة السياسية انذاك ، مطالبة باستبدالك والدخول في مرحلة انتقالية تؤمن التناوب السلمي علي كرسي رئاسة الجمهورية.
وفي خضم تداعيات تلك المرحلة الحرجة والدقيقة والخطيرة ، ظل الرجل ، كعادته وفيا لك شخصيا، وللوطن مما مكن من المحافظة على السير المنتظم والمضطرد لمؤسساتنا الدستورية رافضا كل الدعوات المتعلقة بشغور منصب رئيس الجمهورية رغم ما لها من حجية بالغة .
وعندما تدهورت حالتك الصحية في فرنسا وظن المداوون انك قاب قوسين او ادني من الموت تحركت بعض الدول الصديقة و طلبت منه تولي الحكم مباشرة مؤكدة دعمها له ومناصرتها له . ومما اتذكره، شخصيا، اليوم ولا بد أن اسجل فيه شهادة للتاريخ انه في تلك المرحلة استقبلت في مكتبي بوزارة الدفاع احد سفراء الدول الغربية مصحوبا بملحقه العسكري و طلبا مني أن احمل رسالة منهما الي الأخ محمد ولد الشيخ الغزواني قائد الأركان العامة للجيوش مفادها ان محمد ولد عزيز يحتضر وعليه ان يأخذ زمام الأمور .وعندما أبلغته في الحال التفت الي مبتسما ، مستبشرا كعادته وقال لي لقد اتصلت بي اهم الدول النافذة و طلبت مني نفس الطلب ولكني أكدت للجميع انني لن اتصرف حتي يعود صديقي رئيس الجمهورية حيا فيواصل دوره أو ميتا فأقيم له ما يلزم من مراسيم تناسب مقامه الرفيع عندي وعند الموريتانيين جميعا.
نعم لا خير في معروف الي غير عروف كما يقال، ألا يعتبر هذا أعلا مراتب الوفاء وحسن الطوية ؟
نعم ، ومن الأصدقاء من هو كحمار السوء إن أشبعته رمح الناس وان جاع نهق. و قديما قال أهل التمكين من اهل الحكمة من لم يشكر الإنعام فأعدده من الأنعام فلا زوال للنعمة مع الشكر ولا بقاء لها مع الكفر ، كما يقال من كفر نعمة المفيد استوجب حرمان المزيد، فمن لم يرغب في ثلاث بلي بست :
من لم يرغب في الاخوان بلي بالعداوة والخذلان.
ومن لم يرغب في السلامة بلي بالشدائد والإمتهان.
ومن لم يرغب في المعروف بلي بالندامة والخذلان.
وفي هذا ذا المنحى لا بد أن نختم بالمثل الشهير الذي يقول
ومن يصنع المعروف في غير أهله يلاق الذي لاقا مجير أم عامري
ويضرب هذا المثل في الذي يجود بالمعروف والإحسان لمن ليس أهلا لذلك ، فيكرم هذا ويساعده غير أنه في النهاية يمكر له بقلب أسد وعين غاشية فيكون جزاء المعروف نكرانه ومقابلته بالإساءة . يحكى أن نفرا من العرب خرجوا للصيد فاعترضتهم أنثى الضبع التي يسمونها أم عامر فطاردوها وكان يوما شديد الحر فلاذت أم عامر بمنزل أعرابي فلما شاهدها منهكة ورأى أنها إنما استنجدت به مستجيرة خرج شاهرا سيفه في وجه القوم وسألهم ما بالكم ، قالوا طريدتنا ونريدها ، فقال الأعرابي الشهم إنها أصبحت في جواري ولن تصلوا لها ما دام هذا السيف في يدي ، فانصرف القوم ونظر الأعرابي إلى أم عامر فوجدها تتضور جوعا فحلب ناقته وقدم لها الحليب حتى ارتوت وتحسنت صحتها . نام الأعرابي وهو مرتاح البال بالذي قدم لأنثى الضبع ، غير أن أنثى الضبع بطبيعتها المفترسة تسللت إليه وهو نائم فانقضت عليه وبقرت بطنه وشريت من دمه ثم غادرت . وفي صبيحة اليوم التالي وحين أقبل أبن عم الأعرابي يطلبه وجده مقتولا فعلم أن الفاعل هو أم عامر فاقتفى أثرها حتى وجدها فرماها فأرداها قتيلة ، ولما رأى هذا الأخير ما آل إليه حال ابن عمه جزاء ما قدم من معروف لأم عامر أنشد يقول:
و من يصنع المعروف في غير أهله يلاق الذي لاقى مجير أم عامر
أدام لها حين استجارت بقربه طعاما وألبان اللقاح الدرائر
وسمنها حتى إذا ما تكاملت فرته بأنياب لها وأظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من بدا يصنع المعروف في غير شاكر
السؤال ، ما الفرق بين المتهم الرئيسي وأم عامر ؟
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة، السيد المدعي العام، السادة المحامون
أيتها السيدات والسادة .
الكريم عكس اللئيم والتعامل معهما يتطلب نوعا من البصيرة والتأمل : لا يجتدى الكريم إلا باللطف والكرامة ولا يجتدى اللئيم إلا بالمهانة والعنف
كالجوز يمنع لبه صحيحا ويعطيي خيره حين يكسر .
يحكى أن جماعة من العميان قد سمعوا انه حمل الي البلدة حيوان عجيب يسمي الفيل وما كانوا قد سمعوا باسمه، فقالوا لا بد لنا من التعرف عليه باللمس الذي نقدر عليه، فلما وصلوا اليه لمسوه فوقعت يد بعضهم على رجله ووقعت يد بعضهم على نابه ووقعت يد بعضهم على اذنه، فقالوا قد عرفنا وانصرفوا، سألهم بقية العميان فاختلفت اجوبتهم. فقال الذي لمس الرجل: أن الفيل ما هو إلا مثل اسطوانة خشنة الظاهر الا انه الين منها. وقال الذي لمس الناب ليس كما يقول، بل هو صلب لا لين فيه وأملس لا خشونة وليس في غلظ الأسطوانة اصلا، بل هو مثل العمود وقال الذي لمس الأذن: لعمري هو لين وفيه خشونة، فكل واحد من هؤلاء صدق من وجه إذ أخبر عما أصابه من معرفة الفيل، ولم يخرج واحد في خبره عن وصف الفيل، ولكنهم بجملتهم قصروا عن الإحاطة بكنه صورة الفيل...تماما مثل الذي حصل للمتهم الرئيسي مع صاحبه محمد ولد الشيخ الغزواني.، خله، صاحبه منذ أربعين سنة، رفيق دربه. قولوا ما استحسن عندكم من طيبات العبارات، اما انا فأقول شتان ما بين الإثنين:
هل التربية واحدة ؟ أم الأخلاق متماثلة؟ هل الزاد العلمي والمعرفي واحد ؟ هل الفصاحة والسلاسة والسياسة واحدة؟
كما تعلمون تكون الصحبة على وجهين: صحبة مكتسبة بالاتفاق الجاري مجري الاضطرار ، وصحبة بالقصد والاختيار. هذه الأخيرة اوكد حالا لان قاعدتها التجانس والتشاكل، فما كان جاريا بالطبع الزم مما هو حادث بالاضطرار.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال" البذاء لؤم وصحبة الأحمق شؤم"
وقال بعض الحكماء: اصطفي من الاخوان ذا الدين والحسب والرأي والادب فإنه ردء لك عند الحاجة ويد عند نائبتك وأنس عند وحشتك وزين عند عافيتك، ومن لم تكن في الله خلته فخليله منه علي خطر ، قال تعالى "(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).
وقال أيضا : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ** وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ).
وعلي خلاف ذلك وفي الطرف الآخر يقول جل من قائل : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)َ
اللهم اني اسألك بأسمائك الحسني و بصفاتك التامات العليا وبعرشك وما حوي وبمن علي العرش استوي وعلي الملك احتوي وبمن دني فتدلي فكان قاب قوسين او ادني ان تطلع شمس الهيبة القاهرة الباهرة ، الظاهرة الباطنة القادرة المقتدرة علي وجه اخي محمد ولد الشيخ الغزواني حتي يعمي بها كل ناظر اليه بعين الحسد ومن نصب له شبكة الخداع فاجعله يا ربي مساقا هو إليها مصادا فيها وأسيرا لديها.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة، السيد المدعي العام، السادة المحامون
أيتها السيدات والسادة.
تباهى أمامنا جميعا، المتهم الرئيسي، فقال انه لم يول أي اهتمام برسائل صاحب الفخامة محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الجمهورية والقائد الأعلا للقوات المسلحة، كما فعل نفس الشيء في خرجاته الإعلامية قبل سجنه و انه، سافر الى الخارج حتى يكون الرئيس رئيسا للجمهورية، و ذلك من أجل التشكيك في مقدرة الرجل على القيام بوظائفه الدستورية، كما قال متبجحا انه لا ينام، غامزا، لامزا، وعلى الدوام اختار لنفسه ان يصف هو ومناصروه القليلون والمغمورون النظام الحالي بالضعف.
روي أن النابغة الجعدي انشد بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر قوله عليه:
ولا خير في حلم اذا لم تكن له بوادر تحمي صفوه ان يكدرا
و لا خير في جهل اذا لم يكن له حليم اذا ما أورد الأمر أصدرا
و يقول أبو حاتم :
إذا أمن الجهال جهلك مرة فعرضك للجهال غنم من الغنم.
وصدق المتنبي حين قال :
لا يسلم الشرف الرفيع من الاذي * حتي يراق علي جوانبه الدم
و الظلم من شيم النفوس فإن تجد * ذا عفة فلعلة لا يظلم.
المروءة حلية نفسية لا ينالها الا اهل العز والكرم وهي مراعاة الأحوال الى ان تكون علي أفضلها حتي لا يظهر منها قبيح عن قصد ولا يتوجه إليها ذم باستحقاق.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم و ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته، و ظهرت عدالته و وجبت أخوته.
ومن المعروف لدى الجميع أن دلائل الكرم والشرف هي الإنصاف في الحكم والكف عن الظلم، ومدرك كل هذه الخصال في التأني لا في العجلة والتهور والانتقام. ان حال الظالم بين فهو مهلك ثم هالك. ولنا فيما يجري اليوم عبر يجب أن نتدبرها خصوصا إذا تعلق الأمر بأهل الجور والجراءة والقسوة. و أن نتذكر قوله صلى الله عليه وسلم : اطلبوا الفضل والمعروف عند الرحماء من امتي تعيشوا في اكنافهم.
و من واجبنا اليوم قراءة آثار جبروت الله سبحانه وتعالى في الظالمين فإن فيها مزدجر، أما من يري في المروءة والتاني و العدل والانصاف ضعفا فلن نقول له إلا كما قال الشاعر: ستعلم اذا انجلي الغبار** افرس تحتي ام حمار.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة، السيد المدعي العام، السادة المحامون
أيتها السيدات والسادة.
يحكي في الأثر ان عليا ابن أبي طالب كرم الله وجهه قال لعامر ابن مرة الزهري: من أحمق الناس؟ قال: من ظن انه اعقل الناس، قال: صدقت، قال علي: فمن أعقل الناس؟ قال عامر: من لم يتجاوز الصمت في عقوبة الجهال.
كثيرا ما حاول المتهم الرئيسي أن يسمع الجمهور كلاما غير لائق في حق رئيس الجمهورية وكأنه لا يدري بأن احتمال السفيه خير من التماهي معه وقديما قيل بأن غضب الجاهل في قوله وغضب العقال في فعله وقد قال الشاعر :
إن الوفاء على الكريم فريضة..... واللؤم مقرون بذي الاخلاف
وتري الكريم لمن يعاشر منصفا.... وتري اللئيم مجانب الإنصاف
إنني اليوم على يقين تام بان المتهم محمد بن عبد العزيز أضاع ما يزيد علي أربعين سنة من صحبة صاحب الفخامة محمد ولد الشيخ الغزواني دون أن يعرف الي حد الان أهم مميزات شخصيته المتأنية والحكيمة والرشيدة خلافا لما ظهر للجميع عند أول لحظة من انفعال وتهور و حماقة تطبع شخصية المتهم الرئيسي.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة، السيد المدعي العام، السادة المحامون
أيتها السيدات والسادة.
لقد تأكد الجميع بأن أكبر خطء ارتكبه معاوية ولد سيد أحمد الطايع هو إقامة أمن رئاسي يعتمد على الجنود بدل الدركيين الذين يشترط في تكوينهم احترام القواعد القانونية وفهم روحها. وذلك بعد أن قرر هذا الأخير محاكاة الرئيس العراقي آنذاك المرحوم صدام حسين، وتأسيس كتيبة الأمن الرئاسي التي اختار ابنه المطيع محمد ولد عبد العزيز لتولي قيادتها ووفر له كل الوسائل المادية والمعنوية حتى أصبحت هذه الكتيبة أقوى كتائب الجيش الوطني. غير أن الحارس الأمين لما اشتدت يده وقوي عوده انقلب علي ولي نعمته ، إلا أنه كان يدرك انه لا يمتلك أي مؤهلات تمكنه من قيادة المرحلة ، مما اضطره إلى اللجوء إلى ابن عمه المرحوم اعل ولد محمد فال الذي اكتشف بسرعة الطبيعة الخاصة والغريبة لشخصية المتهم الرئيسي مما أدى إلى نشوب خلافات كبيرة بينهما استمرت حتى وفاته . وحسب ما أسر الي به المغفور له اعل ولد محمد فال كان محمد ولد الشيخ الغزواني دائما هو صمام أمان هذه المرحلة ، إذ لولاه لما تمت الانتخابات الرئاسية التي ادت الي فوز المغفور له سيدي ولد الشيخ عبد الله في ظروف مرضية، وقد اكتشف مبكرا كذلك أنه لم يكن في الواقع رئيسا بل مجرد سجين لدى كتيبة بازب، التي طالما طالبت المعارضة السياسية الوطنية بحلها لأنها أداة انقلابية جاهزة في يد محمد ولد عبد العزيز الذي برع في تدجين الضباط العاملين فيها بواسطة الترهيب والترغيب حتى صاروا كالمريدين لا يهمهم سوي الطاعة العمياء لسيدهم. وعندما اشتد الخلاف بين الرئيس سيد ولد الشيخ عبد الله وحارسه وقرر بالمناسبة الرئيس اقالة الحارس أمر هذا الاخير باقتياده للسجن والاطاحة به ليتحقق بذلك حلم الحارس الدفين الذي ما فتئ يخامره قديما ويصبح رئيسا للمجلس الأعلى للدولة ومن بعد ذلك رئيسا للجمهورية.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة، السيد المدعي العام، السادة المحامون
أيتها السيدات والسادة.
لم أرد من خلال سرد ما سبق كتابة التاريخ ، بل مجرد التذكير ببعض الوقائع التي يجب علنا دائما استحضارها خاصة بالنسبة للمتهم الرئيسي الذي تحدى في أكثر من مرة خلال حديثه امام المحكمة من يأتي بدليل على اختلاسه لأي أموال عمومية ، نقدية أو عقارية وهنا أرفع هذا التحدي لأقول أمامكم ملتمسا حسن إصغاء من في القاعة وخارجها وكافة الاحزاب السياسية و رجال الأعمال والمثقفين و اهل الإعلام و ممثلي الدول المعتمدين في دولتنا ، أن المتهم الماثل كان يتقاضى بانتظام ، خلال فترة رئاسته الممتدة من ألفين وتسعة الي الفين وتسعة عشر راتبين: راتبه كرئيس للجمهورية ، صرح أكثر من مرة بأنه لم يستلم منه شيء وأنه كان يحول بانتظام في حساب زوجته ، وهذا أمر منطقي بالنسبة له لأنه كان يتقاضى في نفس الوقت راتبا آخر كجنرال في الجيش الوطني، ليكون بذلك اول رئيس هجين يقود هذا البلد . كان يتقاضى هذين الراتبين عن سوء نية وغيلة. اكرر لقد واظب المتهم الرئيسي علي استلام راتبه كجنرال من الجيش الوطني الي جانب مرتبه كرئيس للجمهورية وامتنع مدة عشر سنوات عن توقيع المرسوم الذي يقطع صلته بالجيش بعد توليه رئاسة الجمهورية. وتعمد المتهم الرئيسي قبل خروجه من الرئاسة بأيام، وبعد انتخاب رئيس الجمهورية الحالي، دفع مرتبات شهرين لأفراد الجيش وعند اطلاعه على اللائحة واكتشافه ان اسمه غير موجود فيها استشاط غضبا وأمر بإضافته إليها وأرسل مرافقه العسكري مصحوبا بالمساعد الأول ولد امحيمد لاستلام المبلغ وفعلا استلما المبلغ والأدلة موجودة على كل ذلك . ألم نرفع بهذا تحدي اختلاس المتهم الرئيسي لأموال عمومية مباشرة من خزينة الدولة ؟ نعم اليوم ارفع هذا التحدي في وجهه وأمام الملأ وان كنت في أشد الاحراج النفسي من إظهار المستور لكنه لم يبق لنا أي مخرج نحول به بينه والفضيحة العلنية وكما يقول المثل العربي: يداك اوكتا وفوك نفخ.
أما بالنسبة للاستيلاء على الممتلكات العقارية للدولة فقد أثبتنا بالوثائق الرسمية كما أثبتت النيابة العامة أيضا ، استحواذ المتهم الرئيسي و أفراد أسرته بما في ذلك أبناؤه القصر على القطع الأرضية الثمينة مما تم اقتطاعه من واجهة مدرسة الشرطة التي آلت خمس منها لابنه المرحوم احمدو ولد محمد ولد عبد العزيز ، ونفس الشيء كذلك بالنسبة لما تم اقتطاعه من واجهة المركب الأولمبي . ، وفي هذا المقام أذكر المتهم الرئيسي بالحالة النفسية والعصبية التي اعترته أمام المحكمة الجنائية عندما حاول تكسير القفص و القفز منه على أحد زملائي من لفيف الدفاع عن الطرف المدني عندما تناول بالتفصيل هذه الوقائع ليخلق الانطباع بأنه لم يسمع قط بهذه التهمة أو ان دفاعه حجب عنه هذه المعطيات ، بينما الحقيقة هي عكس ذلك تماما فقد تمت مواجهته بجميع هذه الأدلة من طرف قطب التحقيق في جرائم الفساد ، كما استجوبته النيابة العامة عنها ، وعندما تمت مواجهته بهذه الأدلة المتضافرة من وثائق وشهادات شهود عدول لم يقل سوي انه يتمسك بالمادة 93 من الدستور
وفي هذا الإطار صرح كل من السيد يحيي ولد حدمين الوزير الأول السابق واللواء احمد ولد بكرن المدير العام للأمن الوطني سابقا، بما يلي :
* يقول الأول : استدعاني محمد ولد عبد العزيز في مكتبه واعطاني أوامر مباشرة بأن اقوم باقتطاع مساحات أرضية ثمينة تشكل واجهات لكل من مدرسة الشرطة وجزء من المركب الأولمبي وجزء من التلفزة الوطنية والواقعة في قلب العاصمة وان يقام ببيعها في المزاد العلني. ، أما الثاني فيقول : بخصوص إزالة التصنيف عن مدرسة الشرطة والذي ينص عليه القانون لم يتم ابلاغي بقرار بيع المدرسة الوطنية للشرطة ولم اعلم به الا حينما اتصل بي محمد ولد عبد العزيز وبحضرة احد مساعدي حيث ابلغنا ان الدولة اخذت الجزء الجنوبي المطل علي شارع المختار ولد داداه من أرض المدرسة وانه سيحضر إلينا مبعوث من وزارة الإسكان لاستقطاع القطع الأرضية التي تم أخذها وفعلا جاء المبعوث بعد ساعة من الاتصال ولا اتذكر اسمه واتي معه أحد المستفيدين حيث طلب منا ان نبعث معه أحدا الي المدرسة وإبلاغ إدارة المدرسة للسماح لهم بالدخول إليها لإنجاز مهمتهم. وفعلا اتصلنا بإدارة المدرسة وامرناهم بتسهيل مهمتهم. وقد اشترطنا على وزارة الإسكان ان لا تبدأ بهدم حائط المدرسة الا بعد بناء الحائط الجديد المحدد للحدود الفاصلة بين المدرسة والأراضي المستقطعة من المدرسة الوطنية للشرطة. وعند مواجهة المتهم الرئيسي بكل ذلك من طرف قطب التحقيق لم يقل أكثر من أنه يتمسك بالمادة 93 من الدستور ، ويتضح بجلاء من وثائق هذا الملف ان بيوعات عقارات انوكشط، سواء من خلال مقايضة مطار أم التونسي أو بيوع المزاد الصورية الأخرى ، كانت كلها من أجل ثراء المتهم الرئيسي محمد ولد عبد العزيز وأفراد أسرته المباشرة بغير وجه حق.
و مهما يكن من أمر فإن مسطرة البيوع العقارية شابتها عيوب كثيرة جعلت منها محض أفعال إجرامية كتبديد ممتلكات الدولة العقارية عبر استغلال النفوذ والحصول علي مزايا غير مستحقة والتدخل في أعمال تجارية تنافي الصفة الوظيفة لرئيس الجمهورية واخذ وتلقي فوائد من عقود ومزادات ومنح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية وإساءة استغلال الوظيفة والاثراء غير المشروع و إخفاء العائدات الاجرامية وغسل الأموال.
ومن المسلم به أن كل هذه العقارات ملك عمومي للدولة ولا يجوز التصرف فيها لأنها في الأصل منحت للمدارس والجهات الرسمية العمومية بوثائق ومراسيم وقرارات لا يمكن باي وجه تخطيها والتغاضي عنها. اما بيعها فيخضع لمساطر إزالة التصنيف الواجبة في التصرف في العقارات العمومية، بل لا بد من مراسيم تحدد إجراءات وشروط البيع والثمن.
غاب كل هذا، جملة وتفصيلا، مما يجعل هذه المساطير المتبعة تمت كعمل اجرامي بعيدا عن القانون واضرت بالمصالح العليا للشعب الموريتاني، حتي ان بعض لجان البيع كما في حالة المدرسة رقم سبعة ومقر سرايا المرافقات وحي الشرطة شكلت بأوامر شفوية من المتهم الرئيسي.
و من المؤكد ان كل هذه الإجراءات لم تتخذ عبر دراسة معايير الجدواءية وتحقيق المنفعة العامة ولم تأت باقتراح من الجهات المختصة، كلها كانت تأتي ارتجالا من طرف المتهم الرئيسي وهي في الواقع ليست الا مجرد عمليات أراد بها المتهم الرئيسي التكسب، ليبني ويشيد ويعلي فيها قطارا يمتد رأي العين علي طول شارع المرحوم المختار ولد داداه كما هو حاصل في أراضي مدرسة الشرطة.
كما أمتلك وحاز المتهم الرئيسي اكبر قطعة أرضية ليشيد عليها مصحة سماها باسم ابنته ليلي ولصالح ابنته القاصرة كهدية لتخرجها المحتمل من الدراسة، كلفت مليار وثلاثمائة وأربعة وثلاثين مليون اوقية قديمة كما ما جاء في شهادة بهاي غدة ومحمد لمين بوبات وهي المصحة التي يشرف علي بناءها محمد عبد الله محمد باب شروك . وفي نفس المنحي الاجرامي نال محمد امصبوع صهر المتهم الرئيسي قطعة أرضية كبيرة من ارض التلفزة الوطنية اشتراها بمائتي مليون اوقية قديمة وتحصلت زوجته أسمي عبد العزيز من عملية المطار علي قطعتين بجانب المسجد المسمي بمسجد الشيخ الرضا يقدر ثمن الواحدة بمائة مليون اوقية قديمة.
كما قام المتهم يعقوب ولد العتيق باخفاء عائدات متحصل عليها من جريمة المتهم الرئيسي ولصالح زوجته وابنتيه فاخفي منازل وقطع أرضية تعود لأسرة المتهم في حي الصحراوي وقطعة أرضية في حي صانتر امتير وباع لصالحهم واهدي الكثير من المنازل والأراضي.
وقد ادلي المتهم يعقوب ولد العتيق بتصريح يفيد ان ليلي محمد عبد العزيز سجلت باسمه سبع قطع أرضية في منطقة اف نور لكصر وامرته بعد ذلك ببيعها فباعها غالية .
وبالنظر الي المحجوزات يتضح ان المتهم الرئيسي كان يمتلك علي سبيل المثال لا الحصر
** مائة منزل في تفرغ زين والحي الجامعي.
** ستمائة قطعة أرضية في تفرغ زين ورباط البحر الكثير منها بالهكتارات.
** ثمانون حانوتا وثلاثة أسواق.
**أربعة قصور فخمة في انواكشوط و قصر في اكجوجت وقصر في بنشاب و المنتجع الموجود علي بعد سبعين كيلميتر من نواكشوط.
** مائة واثنان وسبعون هكتار من المزارع علي ضفة النهر بروصو وانتيكان وبحيرة اركيز
**سبعة عشر مصنعا وشركة.
** تسع مليارات كانت مودعة لدي التاجرين بهاي غدة وولد سلمان.
** ستة ملايين دولار موهوبة له وعشرة ملايين من اليورو والدلار.
** فندق ضخم في بنشاب
** والعديد من القطع الأرضية بانواذيبو.
أبعدهذا قول، حتى يتباهي أمامكم المتهم الرئيسي مدعيا انه لا يمتلك هو وعائلته اية قطعة أرضية من ممتلكات الدولة الموريتانية ويتحدى من يبرهن على ذلك؟
إن كان هنالك مرض يعيق المتهم الرئيسي فهو دون شك مرض قصور الذاكرة والإصرار على الباطل الشنيع.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة، السيد المدعي العام، السادة المحامون
أيتها السيدات والسادة.
سرد أمامنا المتهم الرئيسي ما يناهز اثنان وعشرون دليلا علي استهدافه السياسي. ذكر من بينها ما اجري من تحويلات في كتيبة الأمن الرئاسي بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية. نعم أجريت تحويلات جزئية في هذه الكتيبة شملت قائدها والبعض من الضباط لكن يبقي هذا الأمر اداريا ولا يجوز ربطه بالمحاولة الانقلابية التي ذكر، والتي لم يأت على ذكرها حتى الآن اي مسؤول أمني و لا سياسي خلافا لرواية المتهم الرئيسي التي تشهد بوضوح على ولعه بأوهام الإنقلابات التي تخيم في ذاكرته المثقلة.
ومن الأدلة التي ساق على استهدافه كذلك مسألة المرجعية التي لا أخفي أنني كنت من الثلاثة الذين أشرت إليهم فيها ، ولكنني ؤوكد لك أن خلافك مع فخامة الرئيس بدأ قبل هذا بكثير عند خطاب ترشح الرئيس الذي عبر من خلاله عن توجه جديد مخالف لما تعودت أنت عليه .
نعم شكل خطاب الترشح الذي استفتح به صاحب الفخامة محمد ولد الشيخ الغزواني مساره السياسي في ملعب لكصر هاجس خوف عند المتهم الرئيسي وباح انذاك بالكثير من التشكيك و الأحاديث السلبية ليفهم في ما بعد ان الأمر عادي مع دلالته وليس له من مخرج ولا حلول سوي مسايرة الركب و التحلي بالانضباط. الأمر الذي فهم جيدا ودخل معنا في حملتنا الرئاسية لكن بحقيقة طابور ثالث يعيق الحملة من جميع الجهات ، المادية والسياسية. وبعد الفوز بكرسي الرئاسة ظهرت لنا بوادر النية الحقيقية للمتهم الرئيسي وكان ذلك من خلال الإصلاحات التي كان ينوي اجراءها علي الحزب الذي يجمعنا. دون شك كان المتهم يريد السيطرة علي الجزب و مواصلة تأثيره كرئيس ثان او موازي للرئيس المنتخب. و كان يحمله علي هذا الغرور ،من بين أمور اخري ،كتيبة بازب التي لم تتغير لا في الشكل ولا في الأصل كما يقال. اما من الناحية الشرعية فلا تجوز اجماعا إقامة اميرين في وقت واحد وفي بلد واحد كما جاء في الحديث الشريف" اذا بويع اميران فاقتلوا الاخير منهما او كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام"
الحق أحق ان يتبع ،في بداية مأمورية رئيس الجمهورية الحالي أشار اليه الجميع من باب النصيحة ان يحكم بعكس ما حكم به سلفه. لكنه لم يبال بهذه الاستشارات ولم نفهم هذا السلوك الا بعد زمن طويل عندما اكتشفنا المبادئ الكلية التي يعتمد عليها فخامة رئيس الجمهورية في تدبير الشأن العام والتي تقوم في الأساس علي مبدأين شرعيين :
* *الأول قوله تعالي : ادفع باللتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم.
** اما الثاني فأساسه قول أهل التصوف " ليس من عادة الكرام سرعة الانتقام وليس من شروط الكرم إزالة النعم"
قبل أن أبدأ ملاحظاتي وأسئلتي الموجهة إلى المتهم الرئيسي بواسطة المحكمة أريد أن أنبه إلى أنه لم يستحضر قول ابن عاصم:
ومن أبى إقرارا أو إنكارا لخصمه كلفه إجبارا
فإن تمادى فلطالب قضي دون يمين أو به وذا ارتض
فالذي يلوذ بالصمت مكان الافصاح يعتبر مقرا بما ينسب إليه
السيد الرئيس السادة أعضاء المحكمة الموقرة
إن من ينسب إلى أهل الفضل والمروءة ، من دون دليل واضح ، ما ينال من فضلهم و لا يقبل في مثلهم فإنه لا تسمع دعواه ، بل تُرد و يسجن تأديبا له ، كما قال ابن عاصم .
ومُدَّعٍ عَلَى امْرِئٍ أَنْ سَرَقَهْ ... وَلَمْ تَكُنْ دَعْواهُ بالْمُحَقَّقَهْ
فإنْ يَكُنْ مُدَّعِيًا ذاكَ عَلَى ... مَنْ حالُهُ في النَّاسِ حالُ الفُضَلاَ
فليس من كَشْفٍ لِحالِهِ وَلاَ ... يَبْلُغُ بالدَّعْوَى عليه أَمَلاَ
وَإنْ يكن مُطَالِبًا مَنْ يُتَّهَمْ ... فمالِكٌ بِالضَّرْبِ والسِّجْنُ حَكَمْ
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.