الفساد كما عرفته منظمة الشفافية الدولية هو: " كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب ويحقق المصلحة لفرد أو جماعة".
ببساطة إذا هو سلوك غير شرعي يقوم به الشخص، استغلالا لمكانته ومنصبه من أجل أن يتربح بصورة غير شرعية.
هذا التربح قد يكون على شكل أخذ مبلغ مالي (رشوة)، مقابل خدمة، يقدمها الموظف لشخص، و يمارس هذا النوع من طرف فرد واحد دون تنسيق مع الآخرين لذا نراه ينتشر بين صغار الموظفين، وقد يكون هذا التربح على شكل تحقيق مصالح مادية أو اجتماعية كبيرة للأفراد على حساب المصلحة العامة، وهذا أخطر وأشمل من النوع الأول لأنه يكلف الدولة مبالغ ضخمة، وهذا النوع الأخير هو الذي يمارسه كبار المسؤولين والموظفين، وتكمن خطورته في صعوبة الكشف عنه، لأنه يتم عن طريق شبكات، وتنظيمات محترفة ومتخصصة.
وللفساد أسباب، منها ما هو سياسي، يتمثل في عدم رغبة السلطة الحاكمة في محاربته أصلا، ومنها ما هو اجتماعي يتمثل في ضعف الوازع الديني والأخلاقي في المجتمع، ومنها كذلك ما هو قانوني وتنظيمي، يتمثل في غموض التشريعات، وتعددها، مما يؤثر على تطبيقها، وهناك أيضا سبب رئيسي وهو السبب الاقتصادي ويتمثل في ضعف الأجور والمرتبات وغلاء المعيشة، وبروز الفوارق المادية بين أفراد المجتمع.
كل هذه المظاهر، والأسباب لها آثار كارثية، على تنمية المجتمع، وتطوره، وانسجامه الاجتماعي، وأمنه العام، من هنا أتت الحاجة إلى استخدام جميع الوسائل المتاحة، خاصة الوسائل التي توفرها التكنولوجيا الحديثة، لمحاربة هذه الظاهرة، فما هو دور التكنولوجيا الحديثة في محاربة الفساد؟ وكيف يمكن الاستفادة منها للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة؟
شدد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيح الغزواني، في حملته الانتخابية الأخيرة، وكذلك في لقاءاته مع الوزير الأول الجديد المختار ولد انجاي، وأعضاء حكومته، على محاربة الفساد، و أكد على أنه لا محاباة فيه، ولا عذر.
من هنا يأتي وجوب الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة، لكسب هذه المعركة حيث تلعب التكنولوجيا، أدوارًا متميزة في الوقاية من الفساد ومحاربته، وسنحاول فيما يلي تلخيص بعض هذه الأدوار:
أولا: التقنيات الحديثة تختصر الإجراءات وتسرّعها: وهو ما يسهم في إنجاز العمل بشكل دقيق، وضمن مدة زمنية مقبولة، تتخطي الإجراءات الروتينية، التي تكون في أحيان كثيرة بيئة خصبة، لارتكاب أفعال ومخالفات تحمل في ثناياها جرائم فساد، وقد شاهدنا هذا جليا بعد إطلاق تطبيق "هويتي" الذي شكل نقلة نوعية في توفير الأوراق المدنية، ومن قبله تجربة الشباك الموحد في تسهيل إجراءات إنشاء الشركات والمؤسسات، وتجربة رقمنة نظام السجل الاجتماعي، الذي كانت تستنزف فيه ميزانيات الوزارات المعنية كل سنة، وتجربة اللجنة الوطنية للمسابقات، مثال يحتذى في تسهيل إجراءات المشاركة في المسابقات الوطنية، وشاهدنا نماذج كذلك في وزارة التربية وإصلاح نظام التعليم، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وكذلك تجربة وكالة تشغيل الشباب، هذه التجارب الناجحة في هذه القطاعات، تستدعي تطويرها، وتعميمها على القطاعات الأخرى .
ثانيا: تسهم الوسائل التقنية في ضبط شفافية المعلومات الرسمية، وإتاحتها وسهولة وصول الجميع إليها، مما يساعد الحكومات، وعامة الناس على مراقبة كفاءة ونزاهة الخدمات، ويساهم كذلك في تعزيز الثقة في الحياة السياسية في البلاد، وقد كانت تجربة اللجنة المستقلة للانتخابات في الانتخابات الرئاسية 2024، خير دليل على هذا، حيث مكن موقع اللجنة جميع المترشحين، والمراقبين، والإعلاميين، من الحصول على جميع المعلومات المتعلقة بالعملية الانتخابية، مما كان له الأثر الواضح في الاعتراف بنتائج الانتخابات.
ثالثا: تسهم التكنولوجيا في الكشف عن جرائم الفساد المنظمة، مثل جرائم غسيل الأموال والإرهاب والتهريب وغيرها، والتي تحتاج إلى وسائل تكنولوجية متطورة لإثبات وقوعها، إذ ليس من السهولة بمكان إثباتها ولا متابعتها بالطرق التقليدية.
ختاما تبقى الإرادة السياسية، هي العامل الأبرز والأهم في محاربة الفساد، فهي التي يتوقف عليها، توفير الوسائل الوقائية لمحاربة الفساد، وهي التي يتوقف عليها سن القوانين الرادعة وتنفيذها على المخالفين، وهي كذلك التي يتوقف عليها سن تشريعات لتقليص الهوة الاقتصادية بين أفراد المجتمع، وهذا ما جعل الكثير من أفراد المجتمع ونخبه، يستبشرون، ويتفاءلون بتصريحات رئيس الجمهورية، وتوجهه العام، في محاربة الفساد، فهل سيكون لهذا التوجه والتصريحات، تجليات على أرض الواقع؟