عندما تضع نوعين من النمل في جرة مليئة بالطعام وتغلقها بإحكام ، فلن يحدث أي شيء غير اعتيادي ، لكنك حين تهز الجرة سيعتقد النمل -بنوعيه- أن ما يحدث هو بفعل عدو وسيبدأ الاقتتال المؤسس على الثقة في النوع والخوف المؤسس على هواجس الغيرية.
لذلك يبدأ الاقتتال بين النوعين فورا .
والقارئ الجيد في أساليب السياسة الكلاسيكية يدرك بوضوح جدوى نظرية "تحريك الجرة " في تحقيق غايات وأهداف العدو الخارجي .
واليد التي تحرك الجرة هي اليد التي تكتب شعارات الفوضى وهي التي تمنحها اسماء ك "الثورة" او " الربيع " او "التغيير" ( حسب الحاجة ).
في لبنان كانت الجرة على الطاولة تتداول تحريكها عدة أياد، كان آخر همها مصلحة واستقرار لبنان .
وحصل ويحصل ذات الشيء في سوريا والعراق ومصر وتونس وليبيا وغيرها .
في دول الساحل هزت يد ما جرة المنطقة المتصدعة وصممت شعارات ومبادئ وهتافات تكفي لشغل النمل في بعضه البعض واقتتاله البيني .
و لا تزال جرة موريتانيا مزروعة في العمق تؤمنها صلابة تربتها المتمثلة في وحدتها واستقلالية قواتها المسلحة وهدوء مناخها السياسي .
لكن القوتين ، التي تخسر حلفاءها والأخرى التي تبحث عن حلفاء في المنطقة ، تتبادلان الدور على محاولة هز الجرة .
لذلك تبحث هذه القوى عن مراهنات سياسة في المضمار المحلي كما كانت تفعل دائما عندما يتعذر هز الجرة .
هناك فرس واحد يمكن لقوى كهذه أن تراهن عليه وأن تدعمه وتصمم خطاباته وترسم خط سيره ، وهو وحده القادر على تمييز ألوان الشعب الموريتاني وبالتالي على المساعدة في نقر ومحاولة صدع الجرة من الداخل.
هذا الفرس هو وحده من يمتلك خصائص العمالة ووحده القادر على بيع كل شيء ووحده القادر على قبض ثمن الحرائق .يحتاج تجار السلاح واللاعبون بالنار بعيدا عن حدودهم لفرس رهان كهذا .
تحتاجه بعض القوى الراغبة في انفراط عقد الساحل وانكشاف المحيط الأطلسي أمام الفوضى وكسر سلاسل الطوق البحري للاستقرار .
تحتاجه المرتزقة المأجورة على امتصاص افريقيا واتخاذ موطئ قدم على خارطة الاستعمار التقليدي .
يحتاجه المستعمر التقليدي لإقناع إفريقيا بقدرته على إشعالها مالم تخضع .
تحتاجه القوى العالمية لنقل قواعدها وجنودها وإدارة حروبها على مساحات جديدة من العالم .
لذلك حين يستمع أحدكم لخطاب عنصري في هذا الشارع أو ذاك ، و حين يرى احدكم الآخر تحديا للقانون والدولة في هذا المكان أَو ذاك ، فلا تلقوا باللائمة على تلك الوجوه البريئة في الشارع .
عليكم فقط أن تيحثوا عن من حرك الجرة ما خارج الحدود .
ومن يهتم ببيع افعالنا وردات افعالنا .
ابحثوا عن قاموس الغازي الجديد وتأملوا لحظة انقلاب فرس الرهان وجموحه بعد أن قال أن مشروع رئيس الجمهورية كان انضج من كل طموحاته .
وفي الأخير انتبهوا للجرة واقطعوا كل الأيادي الممتدة من خلال صناديق الاقتراع .
ليس من أجل هزيمة هي في الأصل متحققة ، وإنما من إجل إذلال اليد التي فكرت في هز الجرة .