أخرج الشعب السنغالي بلده من أحلك مسارات الدولة الحديثة وأخطرها على سكينة الشعب المسالم وروابط الود مع شعوب المنطقة.
امتلكت موريتانيا من وسائل التصدي السياسي المسؤول ما جنب المنطقة انزلاق الدول وإهانة الشعوب.
استعادة عافية الجارة الشقيقة يناسب مقام روابط الدم والتاريخ بين الشعبين لإرتقاء فعلي وجاد بمستوى العلاقات خدمة للمصالح المشتركة بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية وجمهورية السنغال الشقيقة.
مقام الاعتبار
تلقى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني دعوة كضيف شرف لحضور حفل تنصيب الرئيس باسيرو ديوماي افاي، الذي كان أول رئيس يهنئه باسمه الشخصي وباسم القارة كرئيس للاتحاد الإفريقي عبر برقية رسمية قبل الحديث معه بصفة ودية وأخوية و إشادة الرئيسين بعمق وقوة العلاقات بين الشعبين و تأكيد حرصهما على تعزيزها خدمة لمصالح البلدين الشقيقين.
اعتبر الرئيس السنغالي المنتخب المنحدر من مجموعة " السيرير" المسالمة المندمجة في الثقافة الولفية الجامعة، في اتفاق مع زعيم حزبه الذي أوصله السلطة، أن ملفات الشراكة الاقتصادية ستسلك مسارا تفاوضيا على مستوى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، في مقابلة حصرية مع يومية Le Monde الدولية بيوم واحد قبل انتخابه، مشيدا في الوقت ذاته بالخيارات الاستراتيجية لموريتانيا ومسارها الذي توج بإنشاء عملة وطنية.
أشاد رئيس حزب " باستيف " عثمان سونكو وأبرز قيادات المعارضة خلال العقد الأخير، في مقابلة حديثة مع فرانس 24 بانتخاب الرئيس الغزواني مشددا على أن موريتانيا " قدمت نموذجا فريدا في احترام الدستور والتداول السلمي على السلطة". تنزلت تصريحات سونكو كتصويب لخرجة إعلامية سابقة مستفزة، بالغ فيها في استغلال طرح متجاوز لبعض رجالات السياسة في الجارة الجنوبية، اعتبرت آنذاك تعاطيا غير موفق مع واقع الاحتقان الذي عاشته السنغال خلال السنوات الأخيرة، خصوصا أن حزب "باستيف"، لم تتضمن بياناته ولا حتى قرارات هيئاته القيادية منذ إنشائه ما يؤسس أو يبرر هذا الانحراف الذي لقي استهجانا كبيرا من طرف الدوائر الداعمة للحزب.
تطاول هامش العداء
ساهم التحول السياسي الذي شهدته الجارة الجنوبية بعد رئاسيات الخامس والعشرين مارس من العام 2012 وانتخاب ماكي صال في رفع الحظر بصفة مدروسة ومتأنية عن النشاطات "الحقوقية" والإعلامية والمالية لوكلاء وناشطي زعزعة أمن واستقرار دول المنطقة، خصوصا موريتانيا، غينيا كوناكري، غامبيا، بوركينا فاسو، غينيا بيساوو، مالي، وتمكينهم من التأثير في دائرة صنع القرار بالسنغال. وهو ما تجسد عبر سيطرة نفس الأوساط على السلطة في غامبيا وغينيا بيساوو، كنقطتي ارتكاز المقاربات الجيوستراتيجية في الغرب الإفريقي منذ الاستقلال لضمان التوازن العرقي بين شعوب وقوميات القارة.
لم يمتلك ماكي صال يوما شجاعة ولا حتى شخصية المواجهة، حيث سعى لإظهار الود وإخفاء عدائه الذي توفر التصدي له بما يليق من الحزم وتفادي النيل من نبل وقوة أواصر الشعبين. تعرض الموريتانيون خلال حكمه للاستهداف المباشر، عبر أعمال التخريب والنهب لممتلكاتهم في السنغال.
استفاد العنصريون من دعاة الفتنة من التوجه العدواني لتحريك الجبهة العرقية والشرائحية في موريتانيا، بعد مرحلة سبات شلت قدرتهم على التعبئه وأخرست ماكنتهم الإعلامية، من خلال فتح وسائل إعلام موجهة أمام مروجي الضغينة العرقية وخطاب الكراهية، فضلا عن تسخيرها لإطلاق حملات التبرع لتحريض الغوغاء واستحداث مصادر إضافية لتمويل نشاطاتها العدوانية.
ترتب عن دعم ميليشات البغضاء، ضلوع معاونين مقربين لماكي صال في مباشرة تنسيق محاولات وقحة لاستهداف اللحمة الاجتماعية، في سرية كشفتها يقظة السهر على أمن واستقرار الجمهورية، خصوصا محاولة تجنيد القضاء السنغالي للنبش في ملفات الإرث الإنساني مع توفير تغطية إعلامية شرسة للتشهير بموريتانيا في إعلام الجارة الجنوبية وبعض دول الغرب الإفريقي.
استفادت كذلك نفس الأوساط من غطاء أمني و تسهيلات مؤسسات ثقافية وإعلامية جنوب النهر لإعداد إنتاج فني و وثائقي يروج لطرح عنصري يصف الدولة والمجتمع بالعنصرية.
كنس الكراهية
انتصر السنغال في أولى معاركه ضد عتاة العرقيين. يستعد لإطلاق حرب التحرير من استرقاق النخب والولاء لبطون خارج الحدود؛
انتهى أمر الاقتراع جنوب نهر صنهاجه ولا زالت لديهم أمور أخرى كثيرة عالقة، تفرض مواجهة الخطاب العرقي الذي أرسته سنوات الشوفينية وفشل الحكامة في حفظ كرامة الشعب.
انقلبت أساطير الطبقية وآنتروبولوجيا الاستعلاء على ماكي صال، الذي امتلأ، بعد نضال خاطف، جسمه وذمته من خراج أمة بني انجاي المؤمنة المنفتحة على ثقافات مسلمي القارة.
انتصرت كذلك سماحة الصوفية على وثنية زنجية الشمال الأبيض، وخيب الولاء الروحي لمقام خادم الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام آمال غلمان المرشد، المتحمسين لاعتباط توطين في مواطن التوحيد.
في السنغال: عصف الغضب الجماهيري بالبنيان الهش، عبر تصويت تبنى القطيعة مع نظام الحكم ورجالاته وفشلهم الذريع في التعاطي بجدية وإيجابية مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن تنامي الخطاب العرقي واستغلال المؤسسات للنيل من سكينة المجتمع وتماسك مكوناته.
احتكار الخطاب المنتفض ضد الأزمات المتعاقبة وتقديم تضحيات بالغة الأهمية، جعل " باستيف" وجهة عاطفية للوثبة الجماهيرية التي جسدت قطيعة أجيال التواصل الاجتماعي مع النخبة السياسية مبرزة مستوى الحقد ضد منظومة السلطة بما فيها المعارضة التاريخية والنخب المستقلة.
تنحسر فاعلية الخطاب الشعبوي والمواقف العاطفية، بعد انقضاء الحملة الانتخابية والخضوع لحتميات التسيير الفعلي للدولة ونفوذ دوائر التأثير ممثلة في المرجعيات الصوفية المتحكمة في عقيدة المجتمع و مسار الدولة.
يبقى التحدي الحقيقي ماثلا في القدرة الفعلية على ضمان انتظام حياة الدولة والحفاظ على وئام علاقاتها الخارجية وتقديم حلول اجتماعية عاجلة، خصوصا للشباب الذي يواجه منذ سنوات مصير الموت المحتوم في شوارع البلد و قوارب الهجرة الغير شرعية.