استبن ( نواكشوط ) - قال وزير الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج، محمد سالم ولد مرزوك، إن القضية الفلسطينية، تمر الآن بأخطر مراحلها على الإطلاق، حيث يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ خمسة أشهر، وبدون انقطاع، حرب إبادة بشعة ومُمَنهجة ضد الشعب الفلسطيني، تَستخْدِم فيها أياديه الآثمة، إلى جانب مختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، سلاحَ الحصار والتجويع؛
جاء ذلك في خطاب ألقاه خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة بعد تسلم موريتانيا الرئاسة الدورية للجامعة.
وهذا نص الخطاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أصحاب السمو والمعالـي الوزراء؛
معالـي الأمين العام لجامعة الدول العربية؛
أصحـاب السعـادة؛
السادة والسيدات؛
السلام عليكم ورحمــة اللــه وبركاته،
اسمحوا لي أن أستهل كلمتي بالتعبير عن ما أشعر به من تشريف واعتزاز بتولي بلادي رئاسة الدورة (161) لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري، والتي نستبشر خيرا بتزامنها مع إطلالة شهر رمضان المبارك شهر الجدِّ والإخلاص في القول والعمل، سائلين الله العلي القدير أن يُهِلَّه على أمتينا العربية والإسلامية باليمن والخير والبركات.
وإنني إذ أدرك تماماً حجم الأمانة الملقاة على عاتقي بتولي هذا الدور الهام في هذا الظرف الحساس، فإنني أؤكد لكم عقْدَنا العزمَ على قيادة أعمالنا على الوجه الذي يضمن الخروج بقرارات بناءة تعزز مسيرة العمل العربي المشترك وتخدم مصالح وتطلعات شعوبنا وقضايا أمتنا الجوهرية.
ويطيب لـي، في هذا المقام، أن أتقدم بجزيل الشكر لأخـي وصديقي صاحب المعالي السيد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج بالمملكة المغربية الشقيقة على قيادته الناجحة للدورة السابقة لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري.
والشكر موصول إلى أخي معالي السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وفريقه الكريم على الجهود القيمة التي يبذلونها في سبيل النهوض بعملنا المشترك، وعلى حرصهم الدائم على التنظيم الجيد لمختلف الاجتماعات على كافة المستويات.
كما لا يفوتني أن أرحب بأخي صاحب المعالي السيد عبد الله علي عبد الله اليحيا، وزير خارجية دولة الكويت الشقيقة بمناسبة انضمامه إلى مجلسنا الموقر، متمنيا له التوفيق والنجاح.
السادة والسيدات
إن السياق الذي نلتقي فيه اليوم دقيق وحساس جدا، لأن قضيتنا المركزية القضية الفلسطينية، تمر الآن بأخطر مراحلها على الإطلاق، حيث يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ خمسة أشهر، وبدون انقطاع، حرب إبادة بشعة ومُمَنهجة ضد الشعب الفلسطيني الشقيق تَستخْدِم فيها أياديه الآثمة، إلى جانب مختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، سلاحَ الحصار والتجويع؛
وإن المذبحة المُرَوِّعَة التي شَهِدها دُوَّار النابُلْسِي بقطاع غزة مؤخرا، والتي سقط جَرَّاءَها ما يرْبُو على 100 شهيد ومئات المصابين من الفلسطينيين الذين باغَتَهم القصف المُتَعَمَّد وهم في طوابير انتظار شاحنات مساعدات، لَتُجَسد بوضوح تجرد سلطة الاحتلال الإسرائيلية من كل المبادئ والمعايير الأخلاقية والقانونية والإنسانية؛
ويَتِمُّ كل ذلك على مرأى ومسمع من عالمٍ استَحْكَمَت فيه سياسية الكيل بمكيالين واختلت فيه موازين العدل والإنصاف بشكل فاضح صارخ.
والحقيقة أن أصدق توصيف لعجز وتخاذل المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته، هو ما جاء في خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني أمام الدورة السابعة والثلاثين العادية لقمة الاتحاد الإفريقي، حيث قال في سياق إثارة حاجة النظام الدولي إلى الإصلاح: "ويكفي لندركَ مدى حاجة هذا النظام الدولي إلى الإصلاح، أن ننظر إلى ما يجري بقطاع غزة، من قتل وتدمير، وخرق لمبادئ الشرعية الدولية، وحقوق الإنسان، وكذلك إلى إحجام المجتمع الدولي، عن وضع الثقل المطلوب لإحرازِ وقفِ إطلاقِ نار فوري.. وإدخال المساعدات..." انتهى الاستشهاد.
إن هذا الوضع الذي تجاوز بالفعل حدود كل معقول وكل منطقي يستوجب منا أكثر من أي وقت مضى وقفة حاسمة لنكون على مستوى التحدي الكبير؛
ويتعين علينا في هذا المضمار أن نستعمل ما بأيدينا من أسباب الضغط والتأثير لنفرض على المجتمع الدولي القيام بواجبه القانوني والأخلاقي للوقف الفوري للحرب، وفتح الباب واسعا أمام إدخال الغذاء والدواء، وعودة المهجرين، وإعادة الإعمار ، و تأمين الحماية للشعب الفلسطيني الأعزل؛
وتلك هي الشروط الوحيدة التي يمكن أن ننطلق منها لنؤسس لحل شامل ودائم يُؤَمِّن حق الفلسطينيين في قيام دولتهم المستقلة على حدود 4 حزيران ــ يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا للمبادرة العربية ولقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ويحقق الأمن والسلم المستدامين في المنطقة.
واسمحوا لي في هذا الإطار، أن أثمن مواقف الاتحاد الإفريقي الرافضة للظلم، والمناصرة للقضايا العادلة والمتمسكة بالقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي خاصة في ما يتعلق بحرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني؛
وأن أشيد كذلك بالدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل لدى محكمة لاهاي الدولية، آملا أن يتخذ المجتمع الدولي الآليات المطلوبة لإلزام إسرائيل بتنفيذ ما يصدر عن هذه المحكمة من أوامر بهذا الخصوص.
السادة والسيدات
لا شك أنكم تدركون معي على المستوى الدولي، دقة الظرف الراهن الذي يشهد فيه العالم تحديات بنيوية وأزمات جيوسياسية غير مسبوقة تلقي بظلال قاتمة على مستقبل النظام العالمي، وتهدد بشكل مباشر الاستقرار والأمن الدوليين.
و أمام هذا الواقع المعقد تبرز حاجتنا الماسة لتوحيد الصفوف وتجاوز الخلافات وتعزيز التضامن العربي؛ فخيار التضامن والتكامل الاقتصادي والسياسي والثقافي هو الطريق السالكة الوحيدة لكي نكون جزءا فاعلا من عالم يتجه نحو بناء المزيد من التكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى التي لا تبقي للكيانات المعزولة والدول المنفردة مساحة للبقاء والتأثير.
وإن ما تعيشه منطقتنا العربية في هذا السياق من توتر وحروب وأزمات خطيرة، يتطلب منا التفكير في مراجعة قواعد وآليات العمل العربي المشترك، سعيا إلـى إيجاد حلول تواكب المرحلة، وتستجيب لمختلف التحديات التي تواجهها بلداننا العربية.
السادة والسيدات
إننا بحاجة إلى العمل على بلورة رؤية سياسية مشتركة، شاملــة، وقابلة للتنفيذ، تنطلق من تشخيص دقيق للواقع والمشاكل والتحديات الراهنة، وتقدر حجم المخاطر الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وتستند إلى إرادة فعلية للوصول إلى توافق يصون المصالح المشتركة العليا ويعزز التكامل الاقتصادي والأمني لكسب رهــان التنميــة المستدامة الشاملة.
وفي هذا الإطار نؤكد حرصنا على العمل الجاد طيلة هذه الدورة مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بمختلف هيئاتها، وبالتشاور مع كافة الدول الأعضاء لتدارس المواضيع المدرجة على جدول أعمال هذه الدورة بشكل عام.
وسنركز، بطبيعة الحال على ما يتعلق بتحضيرات عقد الدورة (33) لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة المقرر انعقادها في مملكة البحرين، والدورة الخامسة للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية المقررة في نواكشوط.
كما سنعمل معكم من أجل الوصول إلى مخرجات ملموسة وعملية ترتقي بالعمل المشترك إلى مستوى التحديات القائمة، وتحقق تطلعات وطموحات شعوبنا العربية، وتحافظ على وحدة الصف العربي، وتساهم في تعزيز الروابط الأخوية العميقة التي تجمعنا.
الســادة والسيدات؛
إننا في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، تحت القيادة المتبصرة لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، حريصون على دفع العمل العربي المشترك إلى الأمام وتكريس منهجية الاحترام المتبادل والتفاهم والحوار والتعاون البناء من أجل الدفاع عن قضايا أمتنا العربية ومصالح شعوبنا وتطلعاتها إلى مزيد من الرقي والازدهار في كنف السلم والأمن والاستقرار؛ وفي هذا الإطار يتنزل دعمنا ل:
- الجهود المبذولة لإيجاد حل عادل عبر التفاوض لأزمة سد النهضة يَكْفُل لجمهورية مصر الشقيقه مصالحها ويحافظ على أمنها المائي؛
- الجهود الأممية والإقليمية الرامية إلى إيجاد حل سياسي شامل للأزمة اليمنية، يحقق للشعب اليمني الشقيق تطلعاته المشروعة للتقدم والازدهار والعيش في كنف الأمن والاستقرار؛
- الجهود العربية والإفريقية والأممية الهادفة إلى إيجاد حل شامل يحافظ على وحدة ليبيا الشقيقة ومصالحها الوطنية واستقلالها ويُرسِي دعائم السلم والأمن في ربوعها بما يضمن العيش الكريم والتنمية الشاملة للشعب الليبي الشقيق؛
- جهود الحكومة الصومالية المتواصلة في سبيل استتباب الأمن في هذا البلد الشقيق بما يحقق تطلعاته المشروعة للنمو والرفاه بعيدا عن أي تدخل أجنبي؛
- المبادرة السعودية لحل الأزمة في جمهورية السودان الشقيقة، وكل المساعي العربية والدولية الهادفة إلى وقف إطلاق النار بين الطرفين؛
ونشدد على ضرورة تغليب الحكمة ولغة الحوار والعمل الجاد على توفير مناخ من التهدئة يحفظ مؤسسات الدولة السودانية ويرفع المعاناة عن شعبها ويفتح الباب لعودة الأمن والاستقرار لربوع هذا البلد الشقيق.
- جمهورية العراق الشقيق في حربها ضد الإرهاب ورفضنا التام للتدخل في شؤونها الداخلية؛
أشكـــــــركم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.