استبن ( نواكشوط )- لاشك أن الناظر المتمعن في وثيقة "الميثاق الجمهوري" سيدرك دون كبير عناء، أن النقاط التي وردت في نصها كانت مطلبا لكافة أفراد الطيف السياسي الموريتاني، أفرادا وجماعات.
فطالما صدع الساسة والحقوقيون والنقابيون والصحافة رؤوسنا بالمطالبة بالنقاط التي وردت فيها، بدأ بالحوار والتشاور، ومرورا بالإصلاحات والمحافظة على الوحدة الوطنية، وانتهاء بمراجعة المنظومات الانتخابية والتعليمية وغيرها.
ولا شك أن المزايدة على نبل مواقف مهندسي الميثاق من قبل معارضة لوحة المفاتيح يعد إحدى الكُبر في نظر أي عاقل فاهم بمعادن الساسة؛ فمزايدة من لم يقف يوما من الأيام تحت أشعة الشمس دفاعا عن موقفه السياسي، على مواقف من شابت جفونهم في مقارعة أنظمة البطش لا يتأتى من عاقل ولا من صاحب رؤية نقدية سليمة.
وبدون مزايدة فإن الميثاق جمع في وريقاته زبدة المطالب التي طالما حيل بين الفرقاء وبين التوافق بسببها، فلم يترك شيئا للصدفة، وجاء شاملا لنقاط خلاف كثيرة، تم الاتفاق عليها بعيدا عن اللغط، وبطريقة آمنة، يضمن احترامها رئيس الجمهورية، ويشكل ذراعه السياسي أحد أطرافها، والوزير المكلف بمتابعة الملف السياسي طرفا آخر فيها.
حاول المناوئون لتوقيع الميثاق الجمهوري، أن يقللوا من شأنه، فوضعوه في قالب الإكرامية الممنوحة من قبل الرئيس غزواني للقطبين السياسيين الأعرق، بعد النتائج المخيبة التي منيا بها في الانتخابات الأخيرة، بل ذهب بعضهم، إلى أن الميثاق مجرد عبارة عن قُلّة تحوي ماء وجه ولد داداه وولد مولود، وقد ضاعف الرئيس السعر أضعافا لهم، كترضية وإكرام.
الغريب أن أصحاب هذه الأطروحات طالما طالبوا بالاتفاق على نفس النقاط، لكن التاريخ أثبت أن تلك المطالبات كانت مجرد أسطوانة فارغة لا تعكس موقفا ولا تغير واقعا.
إن موقف الرافضين للميثاق الجمهوري ليشبه كثيرا في تذبذبه وعدم وضوحه موقف رئيس سابق عقد اتفاقا مع ثلاثة أطراف على تقسيم مناطق حدودية، ورغم أنه كان أبرز المتحمسين للاتفاق والداعين له، إلا أنه أول من تملص منه وسخر إمكانيات بلاده لمحاربته!
إن مشكلة الميثاق الجمهوري أنه تم الإعداد والتنسيق له في أيام كان الكل منشغل بجني المكاسب؛ فالطابور الثاني من الموالاة كانوا منشغلين بِعدِّ وحصر مكاسب فتح الأبواب لمغاضبي الحزب الحاكم؛ وسماسرة المواقف كانوا تحت تأثير مخدر نشوة تحقيق الفوز على حساب المعارضة الراديكالية؛ أما المؤدلجون فقد حالت رداءة شبكات الاتصال بينهم ورعاة القضية في الخارج، لذلك عليكم أن تعذروهم وتمنحوهم وقت بدل ضائع.