استبن ( نواكشوط )- أعلنت مالي والنيجر وبوركينا فاسو مؤخرا عن تحالف جديد في منطقة الساحل ووقعت اتفاقا للدفاع المشترك، وهو ما يعني وفاة سريرية لمجموعة دول الساحل الخمس، التي أسستها فرنسا في 2014، وتهميش موريتانيا وتشاد، بينما تستعد موسكو لتكون عرابة التحالف الجديد بدلا من باريس.
تحالف الساحل الثلاثي لن يقتصر تعاونه على مواجهة التهديدات المتصاعدة لهجوم محتمل من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) على النيجر، بدعم عسكري فرنسي، بل سيشمل أيضا تنسيق الجهود في الحرب المشتركة ضد الجماعات المسلحة.
لكن التحالف قد يستهدف أيضا الجماعات المسلحة للطوارق في شمالي مالي والنيجر وبدرجة أقل في بوركينا فاسو، والتي لها نزعات انفصالية، ولا تدعم الانقلابيين في البلدان الثلاثة، رغم أن الميثاق الموقع لا يتضمن ذلك، إلا أن باماكو طالما وصفت جماعات الطوارق بالإرهابيين.
ففي 17 سبتمبر/أيلول الجاري، وقع قادة مالي وبوركينا فاسو والنيجر ميثاق ليبتاكو-غورما المؤسس لتحالف دول الساحل الثلاثة، الذي يهدف إلى إنشاء هيكلية للدفاع المشترك، والمساعدة الاقتصادية المتبادلة.
وليبتاغو-غورما، وتسمى أيضا الحدود الثلاثة، هي منطقة مشتركة بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، والتي تنتشر بها جماعات مرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.
ومنذ عام 2020، شهدت البلدان الثلاثة 5 انقلابات عسكرية آخرها في النيجر في 26 يوليو/تموز الماضي، ما أدى إلى تشكل مجالس عسكرية مناهضة للوجود العسكري الفرنسي في المنطقة، ومحاولة الاستغناء عنه بالتعاون العسكري مع روسيا، وشركتها الأمنية فاغنر.حشد إيكواس بدأ
رغم أن مالي وبوركينا فاسو أعلنتا مسبقا تدخلهما عسكريا إذا ما تعرض المجلس العسكري في النيجر لهجوم قوات إيكواس، فإن تسريع توقيع قادة البلدان الثلاثة على ميثاق ليبتاغو-غورما للدفاع المشترك، مرتبط باتهامات نيامي لإيكواس بحشد قواتها في بنين.
فقبل 5 أيام من توقيع البلدان الثلاثة اتفاق التحالف، اتهم المجلس العسكري في النيجر دولة بنين المجاورة بالسماح بنشر قوات على أراضيها استعدادا لتدخل عسكري محتمل لإيكواس ضد نيامي، وأعلن أنه سينهي اتفاقية عسكرية معها.
ولم يكتف المجلس العسكري في النيجر بذلك فقط، بل منع دخول المساعدات الإنسانية الأممية إلى البلاد عبر الحدود مع بنين.
ففي الخامس من سبتمبر/أيلول الجاري، سمحت السلطات البينينية لنحو 30 شاحنة محملة بالمنتجات الغذائية والأدوية لبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، بمرور المساعدات عبر حدودها مع النيجر، إلا أن جارتها الشمالية عارضت دخول القافلة إلى أراضيها، وفق إذاعة فرنسا الدولية.
ويعكس هذا الموقف تشنج العلاقات بين المجلس العسكري في النيجر وبنين، التي تعد حدودها الأقرب بين دول إيكواس إلى العاصمة نيامي، رغم أن جيشها يعد الأضعف أفريقيا، وليس لها مطارات ومنشآت عسكرية يمكنها أن تحتضن قوة عسكرية كبيرة، ولكنها الأنسب لعملية عسكرية سريعة وخاطفة.تهميش موريتانيا وتشاد
في مايو/أيار 2022، انسحبت مالي من مجموعة دول الساحل الخمس، احتجاجا على رفض توليها الرئاسة الدورية للمجموعة بعد الانقلاب الذي قاده العقيد عاصيمي غويتا، على مرحلتين في 2020 ثم في 2021، وكان ذلك أول حجر يسقط في رحلة تفكك مجموعة الساحل.
وتتشكل المجموعة من كل من موريتانيا وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي، وتأسست برعاية فرنسية في 2014، قبل أن تشكل قوتها العسكرية المشتركة في 2017، لمواجهة التنظيمات المسلحة التي انتشرت في شمال مالي عام 2012، ثم تمددت إلى النيجر وبوركينا فاسو في 2015.
رئيس النيجر المعزول حاليا محمد بازوم كان حينها، أحد أشد المنتقدين للانقلاب في مالي، وأحدثت تصريحاته المنددة بتولي ضباط فشلوا في مكافحة الإرهاب زمام الحكم، أزمة مع المجلس العسكري في باماكو.
وبينما كان الاعتقاد السائد أنه سيتم عزل الانقلابيين في مالي إقليميا، وتركهم يواجهون التهديد الإرهابي لوحدهم، جاء انقلابا بوركينا فاسو في 2022، ثم انقلاب النيجر في 2023، ليقويا شوكة المجالس العسكرية داخل مجموعة الساحل.
وآخر قمة لمجموعة دول الساحل الخمس عقدت في فبراير/شباط الماضي بالعاصمة التشادية نجامينا بحضور 3 زعماء وممثل عن رئيس المجلس الانتقالي في بوركينا فاسو، في حين غاب رئيس المجلس العسكري المالي بعد إعلان انسحاب بلاده من المجموعة.وبعد انقلاب النيجر في يوليو/تموز الماضي، مالت الكفة داخل مجموعة الساحل لصالح الدول المناهضة للنفوذ الفرنسي (3 ضد 2)، وأصبحت هيكلا بلا روح، وفي طريقها إلى الاضمحلال بعد تشكيل التحالف الثلاثي.
ولم يبق من زعماء دول الساحل الخمسة المنتخبين دستوريا سوى الرئيس محمد ولد الغزواني.
أما رئيس المجلس العسكري في تشاد محمد ديبي، فيقف في المنتصف، فلا هو رئيس منتخب، ولا جاء عبر انقلاب عسكري، رغم أنه جمد العمل بالدستور، وذلك لأنه تولى الحكم بعد مقتل والده الرئيس إدريس ديبي في 2021.
وحافظ ديبي الابن على تحالف والده الوثيق مع فرنسا، وبالتالي فإنه من الصعب أن ينضم إلى التحالف الثلاثي الجديد لدول الساحل، خاصة بسبب خلاف نجامينا مع روسيا، واتهامات واشنطن لفاغنر بدعم هجوم المتمردين على شمال تشاد، والذي انتهى بمقتل إدريس ديبي.
في المحصلة فإن فرنسا بدل أن تعزل الانقلابيين في مالي من مجموعة الساحل الخمس، فإذا بباماكو تؤسس مع الانقلابيين في النيجر وبوركينا فاسو تحالفا جديدا عزل عمليا حليفي باريس في مجموعة الساحل (موريتانيا وتشاد).فالبلدان الثلاثة تمثل قلب الساحل الأفريقي، وحدودها المشتركة تشهد النشاط الأبرز للجماعات المسلحة، بينما تمثل موريتانيا وتشاد الجناحين الغربي والشرقي لمجموعة الساحل، وتقدمان الدعم العسكري للقلب حتى لا ينهار أمام ضربات المجموعات المسلحة.
لذلك فعزل موريتانيا وتشاد عن مجموعة الساحل الجديدة سيضر بمالي والنيجر وبوركينا فاسو أكثر ما سيضر بنواكشوط ونجامينا.
فإخفاق عمليات محاربة الجماعات المسلحة التي كانت العنوان الأبرز للإطاحة بالحكومات المنتخبة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ما زالت تلاحق المجالس العسكرية، التي لم تتمكن من تحقيق انتصارات حاسمة على تلك الجماعات.
وما تزال 40% من مساحة مالي تحت رحمة الجماعات المسلحة، بدون الحديث عن مناطق سيطرة حركات الأزواد في الشمال، وفق تقديرات الجيش الفرنسي.الأولوية لمواجهة المسلحين
رغم أن تحالف دول الساحل الثلاث تَشكل ردا على تهديدات مجموعة إيكواس بالتدخل العسكري في النيجر لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه، فإن الجماعات “الإرهابية” ما زالت تشكل تهديدا آنيا لجيوش الدول الثلاث.
ففي الأسابيع الأخيرة، سقط عشرات القتلى بين مدنيين وعسكريين في هجمات لمجموعات مسلحة بمالي، دفعها لإعلان الحداد 3 أيام، كما سقط العديد من الجنود في النيجر بين قتيل وجريح في “هجوم إرهابي” على ثكنة الشهر الماضي، أما في بوركينا فاسو فقتل العشرات من الجنود والمسلحين الموالين للجيش في هجمات مسلحة.
هذا الوضع دفع وزير الدفاع المالي عبد الله ديوب، للتأكيد عقب الإعلان عن التوقيع على التحالف أن الأولوية ستكون لمحاربة الجماعات المسلحة في البلدان الثلاثة، لكنه استدرك بأن هذا التحالف سيكون مزيجا من الجهود العسكرية والاقتصادية.
فالدول الثلاث بحاجة إلى تنسيق جهودها لملء الفراغ الذي تركه الانسحاب الفرنسي وقوات تاكوبا الأوروبية وأخيرا البعثة الأممية في مالي، بالإضافة إلى تجميد عمليات مكافحة الجماعات المسلحة الفرنسية والغربية في بوركينا فاسو والنيجر.